في الذكرى الـ45 ليوم الأرض.. فلسطين ينهشها الاستيطان والتناحر والفقر والأوبئة‎

محمود

رؤية

القدس المحتلة – تكشف الأرقام المسجلة عن حجم الاستيطان وما يرافقه من جرائم الهدم والجرف ومصادرة الأرض…الخ في الذكرى الـ45 ليوم الأرض، عن تبدد حلم الفلسطينيين بإقامة دولتهم المنشودة وسط غياب القضية الفلسطينية بشكل كبير عن الأجندات الدولية وحتى الاقليمية.

ويحيي الفلسطينيون اليوم ذكرى “يوم الأرض”، المُصادفة للثلاثين من آذار (مارس) لعام 1976، بإقامة العديد من ألأنشطة والفعاليات للتعبير عن تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وهويته الوطنية وحقوقه المشروعة، غير أن الفلسطينيين يحتكمون، اليوم، على أرض أقل بنسبة 15 % من إجمالي مساحتها الإجمالية المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية المتصلة، بعدما باتت “مُشققة” بالطرق الاستيطانية الالتفافية والحواجز العسكرية والمستوطنات المترامية ضمن 503 مستوطنات، منها 29 مستوطنة في مدينة القدس المحتلة.

وتذهب النسبة الأكبر من المساحة الفلسطينية المنهوبة إسرائيلياً؛ طبقاً لدائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، للمستوطنات التي تسيطر على مناطق نفوذ تبلغ نسبتها حوالي 9.3 % من إجمالي مساحة الضفة الغربية، يخدمها شبكة طرق على مساحة 2.3 % من الضفة الغربية.

وتسيطر سلطات الاحتلال، أيضاً، على 40 % من مساحة الضفة الغربية بدعوى أنها “أراضي دولة”، وعلى 20 % أخرى بدعوى أنها “مناطق عسكرية مغلقة”، فضلاً عن المساحات الفلسطينية الشاسعة المصادرة لإقامة المناطق الصناعية الاستيطانية في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة التي تحوي أكثر من 228 ألف و500 مستوطن.

وتستغل سلطات الاحتلال فعلياً “أكثر من 85 % من مساحة فلسطين التاريخية، البالغة حوالي 27 ألف كيلومتر مربع، حيث لم يتبق للفلسطينيين سوى حوالي 15 % من مساحة الأراضي فقط”، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

ومنذ العام 1967؛ تمكنت سلطات الاحتلال، عبر القتل والتنكيل والعنف، من “مصادرة نحو أربعة ملايين دونم من أراضي الضفة الغربية، وهدم نحو 26 ألف منزل فيها بمعدل 500 منزل سنوياً”، بحسب دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير.

وبموازاة ذلك؛ أحكم الاحتلال سيطرته على مناطق “ج”، التي تشكل حوالي 62 % من مساحة الضفة الغربية، وتتمتع بالإمكانات الطبيعية والاقتصادية والاستثمارية، خلافاً لمنطقة “أ” التي حصر السلطة الفلسطينية ضمنها، وهي تضم مساحة المدن والقرى والمخيمات.

وإلى الجنوب من الضفة الغربية، يوجد في مدينة الخليل عدد من الجيوب الاستيطانية، بينما يوجد في القدس الشرقية 11 حياً استيطانياً أقيمت على أراضٍ ضمّتها إسرائيل إلى منطقة نفوذ القدس، وكذلك عدد من الجيوب الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، إضافة إلى وجود 16 مستوطنة أخرى أقيمت في قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية تمّ تفكيكها عام 2005، ضمن تطبيق “خطة الانفصال” التي أعلن عنها رئيس وزراء الاحتلال حينها أرييل شارون.

ووفق “بتسيلم”، فإن عدد المستوطنين الذين يسكنون في تلك المستوطنات أكثر من 620 ألف مستوطن، منهم 413,400 في مستوطنات الضفة الغربية باستثناء شرق القدس، (وفقاً لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية المحدّثة نهاية عام 2017)، ونحو 209,270 في أراضي الضفة الغربية التي ضُمت إلى مسطح بلدية الاحتلال في القدس (وفقاً لمعطيات معهد القدس لأبحاث إسرائيل، محدّثة في نهاية 2016). وتهدم إسرائيل المباني الفلسطينية في الضفة الغربية بذرائع مختلفة، منها البناء “غير المرخّص”، وتم هدم 494 منشأة فلسطينية بحجة عدم الحصول على ترخيص منذ عام 2017 وحتى 2021، كما تهدم إسرائيل تلك المباني كوسيلة للعقاب وتم هدم 38 منشأة منذ عام 2017 وحتى 2021 بهذه الذريعة، إضافة إلى هدم عشرات المباني بذريعة الاحتياجات العسكرية.

وحاول الاحتلال إخلاء تجمّع الخان الأحمر البدوي شرق القدس لكنه فشل في ذلك عامي 2017 و2019، ولو نجح إخلاء الخان لهجر قرابة 46 تجمعاً تمتد من شرقي القدس إلى البحر الميت. كما انطلقت مرحلة أخرى من التهجير بعد إطلاق خطة الضم في العام 2020، عبر تهجير حمصة، وهو ما يعني التهيئة لتهجير 30 تجمعاً بدوياً في تلك المنطقة. وبنظرة سريعة على المشهد، فإن الاحتلال يسيطر على 95 بالمائة من أراضي الأغوار الفلسطينية بعدة تصنيفات، منها السيطرة على 42 بالمائة من مساحة الأغوار كمناطق تدريب عسكري، وأكثر من 25 بالمائة كمحميات طبيعية، و10 بالمائة مستوطنات ومعسكرات لجيش الاحتلال.

تناحر وسط الضياع

ووسط كل هذه الجرائم التي تهدد بقاء الفلسطيني في أرضه، يشكل إنهاء الانقسام، الممتد منذ العام 2007، لمواجهة التحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية، حاجة ملحة كضرورة وجود فيما يعد خوض الانتخابات التشريعية المقبلة كخطوة في طريق تحقيق الوحدة الوطنية.

إلا أن حجم الانقسامات التي سبقت الانتخابات التي يفترض بها أن تحقق الوحدة، تشي بأن الواقع على الأرض أكبر من قدرة الانتخابات على ردم الهوة.

وأول بوادر هذا الخلاف تتجلى في الصراع التقليدي بين حركتي “فتح” و”حماس” اللتين كانتا يفترض بهما الدخول في قائمة واحدة، إلا أن ضغوطا إسرائيلية وإقليمية ودولية حالت دون الاتفاق، وارتفع عدد القوائم التي سُجّلت في الانتخابات الفلسطينية، أمس، من خمس إلى خمس عشرة، فيما كان الأبرز تسجيل «حماس» قائمتها.

أمّا “فتح”، فتأخّرت عن ذلك بعد الإخفاق في عقد لقاء بين عضوَي «اللجنة المركزية»، حسين الشيخ والأسير مروان البرغوثي، في السجن، للتباحُث النهائي في القائمة، إذ للبرغوثي الحق في الاعتراض على أيّ اسم فيها وفق التفاهمات بينه وبين “المركزية”، التي استجابت لمطالبه بتعديل قانون الترشُّح للانتخابات الرئاسية.

 وجاء الإخفاق في عقد اللقاء بعد رفض الاحتلال زيارة الشيخ مرّة أخرى للبرغوثي في هداريم، وفق قناة “كان” العبرية. لكن مصادر مقرّبة من القيادي الأسير تخشى أن يكون الرفض الإسرائيلي مُنسَّقاً مع «فتح» لتجاوُز عقبة البرغوثي تحت حجّة ضيق الوقت وانتهاء موعد التسجيل غداً (الأربعاء)، ومن ثمّ تعذُّر إطلاع الأخير على قائمة حركته والتعديل عليها، فضلاً عن انتهاء المجال للمناورة وتشكيل قائمة خاصة به.

وسَجّل القيادي الفتحاوي محمد دحلان، قائمته باسم «المستقبل والأمل» (132 مرشحاً)، في هذا الوقت، وصل إلى غزة نجل دحلان، فادي، لدعم قائمة والده في الانتخابات، فيما لم تتأكّد إمكانية عودة الأب قريباً، طبقاً لمصدر أمني. كذلك، قال مصدر “فتحاوي” إن لجنة محامين تابعة للحركة تستعدّ لخوض معركة قانونية ضدّ قوائم خصومها للطعن بها ومنعها من خوض الانتخابات. ويُعدّ دحلان وناصر القدوة أبرز مَن تسعى “فتح” إلى ثنيهما عن إكمال الانتخابات، الأمر الذي أكّده عضو “المركزية”، عزام الأحمد، بحديثه عن «إجراءات قانونية وفنّية ستمنع القدوة من الترشُّح».

اما اليسار الفلسطيني فقد شهد تشتتا وانقساما قد يعني بالضرورة عدم حصول أي من تياراته على مقعد في الانتخابات المقبلة.

الكورونا يتفشى والعجز الحكومي ينهك الموازنة

 ووسط كل هذه الأزمات تواصل “كورونا” فتكها بفقراء الشعب الفلسطيني وسط اتهامات واسعة للجهات الرسمية بالفساد فيما يتعلق بتوزيع اللقاحات، وانعدام الحد الأدنى من الجهوزية في وزارة الصحة والمستشفيات، حيث يسجل يوميا وفيات بالعشرات نتيجة الاختناق لعدم وجود أجهزة تنفس وحتى أسرة في المستشفيات لعلاج مصابي كورونا.

وتحت الضغط الشعبي ومؤسسات القطاع الأهلي، أعلنت وزيرة الصحة الفلسطينية، مي الكيلة، أمس الإثنين، تشكيل لجنة لمتابعة توزيع اللقاحات تضم أعضاء من الوزارة ومن مؤسسات المجتمع المدني العاملة في القطاع الصحي والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وذلك بعد جدل حول عملية التطعيم، واتهامات بتوزيع غير عادل للقاح.

من جانبها، قالت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، إن “الشبكة ستطالب بأن يكون التحقيق جزءا من عمل اللجنة. وزيرة الصحة تواصلت اليوم، مع مؤسسات المجتمع المدني، وستكون لجان العمل الصحي ممثلة عن شبكة المنظمات الأهلية في اللجنة، وسيعقد اجتماع أولي غدًا الثلاثاء”.

وتطالب مؤسسات أهلية فلسطينية منذ بداية الشهر الحالي، بتشكيل لجنة تحقيق في عملية توزيع اللقاح، من بينها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة “أمان” والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان “ديوان المظالم” وشبكة المنظمات الأهلية، ما دفع وزارة الصحة إلى إعلان الفئات التي أخذت اللقاح خارج الأولوية المعلنة.

وبدأت التجاوزات في المرحلة السابقة، حين كان عدد ما وصل هو 12 ألف جرعة فقط، ليمنح 10 في المائة منها لفئات مثل الوزراء، والمنتخب الوطني الفلسطيني، ورجال الأمن العاملين في الرئاسة ومجلس الوزراء، وعاملين في لجنة الانتخابات المركزية.

وعاد الجدل مؤخرًا بعد إطلاق الوزارة حملة التطعيم الوطنية بعد وصول 62 ألف جرعة لقاح من مبادرة “كوفاكس” العالمية، وشملت تلك المرحلة الطواقم الطبية ومرضى السرطان والكلى وكبار السن، ونشر الإعلامي ماجد العاروري معلومات حول تلقي موظفي هيئة مكافحة الفساد للقاح، ما نفته الهيئة لاحقاً في بيان، فيما توالت المطالبات بالتحقيق.

وتفيد معلومات بأن عددًا من موظفي الهيئة، وليس جميعهم، حصلوا بالفعل على اللقاح.

ووسط كل ذلك أقرت الحكومة الفلسطينية، امس الإثنين، موازنة للعام 2021، بعجز يقدر بنحو 1.7 مليار دولار قبل المساعدات الخارجية.

في المقابل، تقدر الحكومة إجمالي النفقات بـ 5.6 مليارات دولار للعام 2021 بزيادة سنوية 9.9 بالمئة.

وبرر اشتية زيادة النفقات، باستحداث حوالي 6 آلاف وظيفة جديدة خلال العام، ومواجهة تداعيات جائحة كورونا، لكنه لم يوضح مصدر الزيادة في الإيرادات.

وتتوقع الحكومة الفلسطينية، مساعدات من الدول والجهات المانحة هذا العام بمقدار 683 مليون دولار، ما يقلص العجز المتوقع (بعد المساعدات) إلى مليار و57 مليون دولار، وفقا للبيان.

ومنذ ذلك التاريخ، تقر القوانين والموازنات من قبل الرئيس عباس، استنادا إلى المادة 43 من القانون الأساسي الفلسطيني.

وشهدت المساعدات الدولية للفلسطينيين تراجعا حادا في السنوات الأخيرة، لتصل إلى 400 مليون دولار في 2020، انخفاضا من معدل سنوي بمقدار 1.1 مليار دولار قبل عام 2013.

وهذه أول موازنة عادية للسلطة الفلسطينية منذ 2018، حيث عملت في عامي 2019 و2020 بموجب موازنة طوارئ جراء حجز إسرائيل عائدات المقاصة الفلسطينية مرتين خلال العامين، وتداعيات جائحة كورونا في 2020.

ربما يعجبك أيضا