في عصر الرقمنة.. الإنترنت ووسائل التواصل كابوس النظام في إيران

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

منذ أحداث الحركة الخضراء التي انطلقت بعد انتخابات الرئاسة 2009م، والنظام في إيران لا يستطيع مجابهة التغيير الذي وقع في المجتمع الإيراني بعد ظهور عصر الإعلام الرقمي.

النظام ليل نهار يحاول بث أفكار الثورة وأدبيات العداء مع الغرب والمؤامرة على إيران. لكن في الواقع هذه الأدبيات لم تعد تلقى قبولا لدى الأجيال الجديدة في ظل عصر العولمة والانفتاح الرقمي.

ولذلك، أمام حركة التظاهرات الجارية هذه الأيام، لم يجد النظام مفرا من إغلاق شبكة الانترنت الدولية ظنًا منه، أن هذا سيساعد على خمود حركة التظاهر.

وكان المسئولون في إيران، قد أعلنوا خلال الايام الماضية بان قطع خدمة الإنترنت جاء لأسباب أمنية بعد أحداث الشغب التي وقعت بعد قرار رفع أسعار البنزين.

تطبيقات التواصل

مشكلة النظام في إيران ليست مع الإنترنت، وإنما مع تطبيقات التواصل الاجتماعي. ولذلك لطالما تناقش المسئولون حول مسألة إغلاق منصات التواصل الشهيرة في إيران، مثل تلجرام وإنستجرام وتويتر، والتي تمثل قنوات إعلامية رقمية يستخدمها جميع المعارضين وحتى المؤيدون للنظام.

وقد قرر مجلس الخبراء -الذي يسيطر عليه المحافظون المتشددون- عدم السماح بعد الآن بـ”تطبيقات التواصل الاجتماعي في إيران”.

حيث صرح أحمد خاتمي، وهو عضو مجلس الخبراء، ورجل دين متشدد، أن هذه التطبيقات “كانت تعلّم التدمير والفوضى”، خلال الاحتجاجات الأخيرة.

ونظرًا لحجب برامج التواصل الاجتماعي في إيران، مثل “فيسبوك”، و”تويتر”، و”تلجرام”، فيبدو أن أحمد خاتمي يقصد بتصريحه هذا حجب تطبيق “إنستجرام”. ومجلس الخبراء ليس بالجهة المنوطة بالتشريع واعتماد القرارات؛ ولكن هيمنة المحافظين عليه، يجعله قوة ضغط على الحكومة في إيران.

وخلال الساعات الأخيرة أظهر موقع “نتبلوكس” لمراقبة أنشطة الإنترنت أن نسبة الوصول إلى الإنترنت في إيران لا تتعدى 20%.

وقد أفادت وسائل إعلام إيرانية معارضة، بأن إنترنت الهواتف المحمولة والمنازل لا يزال مقطوعًا. أو يعود بشكل بطئ ومتقطع لا يسمح بالمشاركة الاجتماعية.

وكان المسؤولون الإيرانيون، قد أعلنوا الخميس الماضي، عن عودة الإنترنت بشكل محدود وتدريجي في البلاد، وذلك بعد فترة طويلة وغير مسبوقة من حجبه.

تهديد وجودي

ويواجه النظام الإيراني في الوقت الراهن ما يعتبره مراقبون أكبر تهديد وجودي منذ الحرب التي خاضها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي. وبينما كانت البلاد تشهد احتجاجات شعبية كل عشر سنوات تقريبا، أصبحت الاحتجاجات العارمة تندلع في فترات متقاربة لا تتجاوز عامين.

وحسب تقرير شبكة الحرة، فعلى الرغم من أن قرار رفع أسعار البنزين كان بمثابة الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات في إيران، فإن الغليان كان نتيجة لتراكم الإحباطات بشتى أنواعها في المجتمع الإيراني، تماما كما أدت الإحباطات المتراكمة إلى أعمال عنف خلال الأشهر الأخيرة من بوليفيا حتى هونغ كونغ مرورا بالعراق ولبنان وأخيرا إيران.

هذه ليست المرة الأولى التي تؤدي قرارات بخفض الإعانات إلى خروج مظاهرات في إيران، لكن سرعة تحرك السلطات لقمع المحتجين واستخدام القوة القصوى بما في ذلك الذخيرة الحية يجعل الفصل الراهن مختلفا.

ويبدو أن أحد أسباب سرعة الرد الدموي وحجمه، يتمثل في خشية الحكومة من فقدان السيطرة على البلاد في وقت تخضع فيه لضغوط غير مسبوقة من الخارج، في ظل فقدانها قسما كبيرا من عائداتها النفطية.

وعلى الرغم من أن الاحتجاجات المستمرة خرجت لدوافع اقتصادية، تحولت الهتافات التي يرددها المحتجون إلى شعارات سياسية تشكك في جوهر الجمهورية الإسلامية وشرعية كبار قادتها.

ويبدو أنها المرة الأولى التي تتفق فيها أركان الحكومة بما فيها المرشد الأعلى والرئيس حسن روحاني والمجلس الأعلى للأمن القومي ومجلس الأمن القومي وقوات الحرس الثوري الإيراني ووزارة الداخلية على القمع الشديد للاحتجاجات.

فقد هددت السلطات الإيرانية بكل مؤسساتها، المتظاهرين ووصفتهم بـ”البلطجية”. ويمكن لهذا الإجماع أن يشير إلى حالة خوف في صفوف المسؤولين أمام تهديد كبير للجمهورية. وكأنهم يقولون إن “هذه أزمة تهدد وجود الجمهورية الإسلامية”.

اهتمام أمريكي

وفي أول رد فعل له على الاحتجاجات الإيرانية الواسعة، كتب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في صفحته على “تويتر”، الخميس الماضي: “لقد أصبحت إيران غير مستقرة، لدرجة أنها عطلت الإنترنت بالكامل، حتى لا يتمكن الشعب الإيراني العظيم من كشف العنف الهائل الذي يمارس ضده”.

وأضاف ترامب: “مسؤولو النظام الإيراني لا يريد أي شفافية، ويعتقدون أن العالم لا يطلع على القتل والمآسي التي يقوم بها النظام الإيراني”.

ومن جهة أخرى، دعا وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عبر صفحته في “تويتر”، الخميس الماضي، الشعب الإيراني، قائلا: “أيها المتظاهرون الإيرانيون الشجعان! أرسلوا لنا مقاطع الفيديو الخاصة بكم وصور ومعلومات قمع الاحتجاجات من قبل النظام الإيراني. الولايات المتحدة ستدين علنا اضطهاد المتظاهرين”.

عقوبات بسبب الإنترنت

وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريکية، أمس الجمعة حظرا علی وزير الاتصالات الإيراني محمد جواد آذري جهرمي.

وقال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين: إن قطع الإنترنت جاء لقمع الاحتجاجات ضد الحكومة الإيرانية، وبناء عليه فقد جرى فرض الحظر عليه. وقال، في بيان: “إننا نعاقب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيراني على تقييد الوصول إلى الإنترنت، بما في ذلك تطبيقات المراسلة الشائعة التي تساعد عشرات الملايين من الإيرانيين على البقاء على اتصال مع بعضهم البعض والعالم الخارجي”.

وجاء في بيان وزارة الخزانة الأمريكية، أن “حظر الإنترنت الأخير اتبع أنماطًا مماثلة حدثت في عامي 2017 و2018″، وأن وزير الاتصالات الإيراني “الموظف السابق بوزارة الاستخبارات الإيرانية سيئة السمعة”، قام بتطوير “سياسة الرقابة الإيرانية القمعية على الإنترنت منذ توليه منصبه في منتصف عام 2017″، مشيرًا إلى أن وزير الاتصالات الإيراني “شارك في المراقبة ضد نشطاء المعارضة”.

وفي رده على القرار الأمريكي، قال آذري جهرمي، في تغريدة له في صفحته على “تويتر”: انني لست انا الوحيد العضو في نادي المحظورين، إذ فرض الحظر من قبل أيضا على الشركات الناشئة (ستارت اب) والتنمويين والمصابين بأمراض السرطان وأطفال مرض “اي بي”. وأنني سأواصل جهودي في دعم الوصول الحر إلى الإنترنت ولن أسمح لأمريكا بوقف التنمية في ايران.

وقد نشرت وكالة الأنباء الرسمية (إرنا)، أن خدمة الإنترنت للهواتف الأرضية قد عادت الى 10 محافظات البلاد.

ربما يعجبك أيضا