في 2017 .. تطورات شرق أوسطية دعمت تهويد القدس؟

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

ينتهي عام 2017، بقرار صادم عربيًا ودوليًا، وذلك عندما أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” اعتبار مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، مُعلنًا للعالم انتهاء عملية السلام في الشرق الأوسط، ومُتغاضيًا عن الهوية العربية والتاريخية للقدس، ليدخل في صدام جديد مع العالم العربي والإسلامي، وذلك تزامنًا مع تطورات شهدتها الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط ربما كان لها الدور الأكبر في تسريع وتيرة تهويد القدس وتقديمها لإسرائيل بعد 22 عامًا من انتظار تنفيذ القرار الذي تم اتخاذه عام 1995، ليسير على خطى بلفور”وعد من لا يملك لمن لا يستحق”.

تساؤلات عديدة تدور في الأذهان عن مسببات اتخاذ هذا القرار الصادم في الوقت الذي تعاني فيه شعوب المنطقة العربية من انقسامات وثورات وحروب ونزاعات، لتتزايد المخاطر بشكل أكبر من حيث التوازنات والتحولات الإقليمية التي من شأنها تهديد الاستقرار في الشرق الأوسط، لاسيما وأن العرب والمسلمون لن يتنازلوا عن مواقفهم الثابتة من عربية القدس وإسلاميتها ، فهي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين.

ويمكن من خلال هذا التقرير، استعراض مخطط الكيان الإسرائيلي لتهويد القدس، فضلًا عن أحداث المنطقة التي كان لها دورًا في تسريع المخطط الذي أفضى في النهاية لقرار “ترامب” بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.

مخطط التهويد

منذ قرار تقسيم فلسطين والكيان الإسرائيلي لم يتوقف يومًا عن بناء المستوطنات اليهودية، ضاربًا بعرض الحائط القرارات الدولية والجهود الرامية لإحياء عمليات السلام، أمام أعين المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكنًا.

وأمام هذا الصمت الدولي، نجح مخطط تهويد القدس عبر حصار المدينة من خلال حزم استيطانية بدأت سلطات الاحتلال في شرعنتها ضمن ما يعرف بالقدس الكبرى، بهدف تقليص عدد المقدسيين لنحو 12% وعزل الأحياء المقدسية بحلول عام 2020 .

ومن أجل هذا،استخدمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بما فيها إدارة كلينتون، حق الفيتو في مجلس الأمن للحيلولة دون استصدار قرارات تدين النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها مدينة القدس.

وهنا يمكن القول، إن الولايات المتحدة الأمريكية التي صادقت على قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ليست متمثلة في قرار “ترامب” وحده، فقد كان بإمكان الرؤساء السابقين الموافقة عليه، ولكن تأجيله جاء من قبل الكيان الإسرائيلي الذي كان يسعى لابتلاع أكبر قدر من أراضي القدس، ولذلك تسارعت المخططات الاستيطانية في عهد ” باراك أوباما”  بشكل يعادل 4 أضعاف النمو الطبيعي في مدينة نيويورك حسب ما ذكره كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات.

وإلى جانب ابتلاع الأراضي، كانت منطقة الشرق الأوسط تتحضر لمرحلة جديدة، تشهد فيها الدول العربية العديد من التقلبات والأزمات التي جعلتها غير قادرة على مواجهة القرار الأمريكي المنحاز لإسرائيل، يقابله توغل روسي في المنطقة بدأ في سوريا وربما يتوغل لدول أخرى على المدى القريب، لتنقلب موازين القوى والتحالفات بناءًا على القوة المسيطرة في المنطقة.

ويمكن إلقاء نظرة على أبرز تطورات الشرق الأوسط:

في العراق

رغم إعلان نهاية داعش عسكريًا في العراق، إلا أن توغل المليشيات الشيعية المدعومة من إيران لعدد من المناطق العراقية، واستشراء الفساد قد يؤجج الصراعات فيما بعد حول تقسيم الكعكة العراقية.

في اليمن

تحولات عديدة، بدأت بانتهاكات حوثية ضد اليمنيين ودول التحالف، وانتهت بمقتل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على يد حلفائه الحوثيين، ليشتعل اليمن على مصراعيه أمام التوغل الحوثي المدعوم من إيران.

في ليبيا

رغم دحر داعش إلا أن هجمات فلوله الباقية لا زالت مستمرة ، فضلًا عن الانتهاكات الحقوقية المتمثلة في تجارة الرقيق وقضايا التعذيب، وذلك على الرغم من المساعي الدولية لحل الأزمة السياسية هناك.

في الصومال

لم تهدًا حركة الشباب في شن هجماتها التي بلغت مداها هذا العام، وكان أقواها في شهر أكتوبر مُخلفة ورائها أكثر من 500 قتيل، وسط احتمالات بزيادة التوتر والهجمات الانتحارية.

دول الخليج العربي

كان الحدث الأبرز فيها، قطع العلاقات مع قطر لدعمها الإرهاب في المنطقة رغم التحذيرات الدولية والعربية، ورفضها الامتثال لمطالب الدول العربية والخليجية ما أسفر عنه عدة إجراءات للحد من تمويلها للإرهاب.

في سوريا

مع إعلان نهاية داعش، باتت روسيا متحكمة في مفاصل الدولة السورية بجميع منشآتها عبر قواعدها البرية والبحرية وقواتها العسكرية، ليبدأ فصلًا جديدًا ببقاء النظام رغم الثورة التي سعت للإطاحة به منذ 6 سنوات.

إيران

لا زالت هي اليد العابثة في خراب المنطقة، عبر ميليشياتها الشيعية في سوريا والعراق فضلًا عن تدخلاتها في شؤون دول الجوار وتهديد أمنها القومي من خلال الأعمال الإرهابية، كما حدث في البحرين والسعودية.

وبحسب التطورات في منطقة الشرق الأوسط، يبدو جليًا أن الأرض كانت ممهدة لتهويد القدس توطئًة لإخلائها من المقدسيين وإعلانها عاصمة لإسرائيل.

ماذا بعد؟

بعد عام مليء بأحداث ساخنة انتهت بتهويد القدس وتقديمها هدية لإسرائيل، من المرتقب أن تتصاعد نغمة الإرهاب والعمليات الانتحارية، وأن تشهد المنطقة حروبًا غير متكافئة وتفجيرات قد تجعل منطقة الشرق الأوسط على صعيد ساخن .

واليوم يحمل قرار “ترامب ” الأخير، في طياته صافرة إنذار ربما تقود قريبًا لحرب عصابات ستعمل على توجيه سهامها لضرب البنية التحتية لإسرائيل ، في وقت ستعمل فيه إسرائيل على الاستيلاء الكامل على ما تبقى من الأقصى في محاولة لإثارة مشاعر الجميع.

يقابله ضعف عربي وإسلامي في ظل استمرار الحملة العدائية ضد الإسلام، وهو ما يمكن أن تستغله الجماعات المتطرفة وقد تجده مادة خصبة لإثارة الفتن بين المسلمين وغيرهم، مُحذرة أمريكا من مغبة تنفيذ القرار، حتى وإن لوحت الإدارة الأمريكية بإرجائه لبعض الوقت.

وفي ظل الصراعات المشتعلة في المنطقة، يزداد نفوذ روسيا في الشرق الأوسط، في الوقت الذي ترى فيه الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب أن تترك لروسيا مهمة تدمير “داعش” في سوريا والتوغل في بعض قضايا الشرق الأوسط باعتبارها أنفع للمصالح الأمريكية، ومن المحتمل أن تقوم روسيا بدور راعي لعملية السلام في الشرق الأوسط، وهو الدور الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية، وتخلت عنه بعد إعلان ترامب الأخير.

ربما يعجبك أيضا