كانط والتنوير ومؤتمر الفلسفة

كانط كان علامة فارقة في تاريخ الفكر الإنساني

رؤية

بقلم: إبراهيم طاحون

كان الفيلسوف الألماني الأشهر “إيمانويل كانط” علامة فارقة في تاريخ الفكر الإنساني، ليس فقط لأنه أحدث انقلابًا فكريا في علاقة الإنسان بالمعرفة ولكن، وهو الأهم، لأنه وضع حدودا للعقل الإنساني.

والمقصود بالحدود هنا ليس تقليص دور العقل البشري بل العكس تماما، حيث أنه قدم ثلاثيته النقدية الشهيرة، نقد العقل النظري، ونقد العقل العملي ونقد ملكة الحكم، وفي هذه الثلاثية النقدية وضع الشروط الواجب توافرها لتكوين معرفة علمية سلمية ومعرفة ميتافيزيقية “دينية” خالية من التناقضات، كما أوضح الشروط الضرورية لتكوين معرفة فنية وتذوق فني على أسس موضوعية غير ذاتية.

إسهامات أخرى

من وراء هذه الثلاثية النقدية المتميزة كان لكانط إسهامات أخرى في السياسة والأخلاق والانثروبولوجيا كلها تتجه نفس الاتجاه الموضوعي الذي سلكه في ثلاثيته النقدية فاتسمت فلسفته بالروح الإنسانية والتنوير العقلاني الذي أسس لفكرة أول مجتمع كوزموبوليتاني قادر على استيعاب ثقافة تعددية إنسانية متسامحة.

تتجلى هذه الروح الكانطية بوضوح في المؤتمر الدولي الثاني للفلسفة الذي ينظمه مركز الدراسات الفلسفية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية في دولة الإمارات تحت عنوان: “الفلسفة ورهان التقدم النظري والاجتماعي”؛ عنوان دال ومعبر عن مدى عمق الوعي الإنساني والتاريخي بل والأكاديمي بقيمة الفكر الفلسفي، وقيمة هذا العنوان أنه يتضمن جهود كانط التي أنجزها في ثلاثيته النقدية الخالدة.

والمسارات النقدية الثلاثة التي اهتم بها كانط هي أبرز ما يميز هذا المؤتمر الدولي للفلسفة في الإمارات؛ فمن خلال العنوان «الفلسفة ورهان التقدم النظري والاجتماعي» نكتشف أن الهدف من المؤتمر هو الوقوف على جانبين من جوانب النقد الكانطي وهو كيف يمكن أن نفهم العلم ومن ثم نتقدم فيه، وكيف يمكن أن نفهم المجتمع الإنساني ونجعله مجتمعًا أفضل.

إثراء قيم التسامح والعيش المشترك

بالنظر إلى المحاور الأخرى في المؤتمر نجد أن هناك اهتمامًا آخر بكل ما درسه كانط باعتباره فيلسوفا للإنسانية كلها،  حيث تدور أهداف المؤتمر حول الإمكانيات النظرية لصياغة فهم معقول من شأنه أن يسهم في تقدم مجتمعاتنا المعاصرة والوقوف على المشكلات الأخلاقية والمعضلات الدينية التي باتت تحديًا حقيقيا أمام نهضة هذه المجتمعات وكيف يمكن أن يكون للفلسفة دور في إثراء قيم التسامح والعيش المشترك، وكل هذه المحاور تناولها كانط في كتب أخرى فرعية لكنها لا تقل أهمية عن ثلاثيته النقدية مثل كتابه “مشروع للسلام الدائم” و”ما هو التنوير”.

كل هذه المعطيات تمنحنا المشروعية لإطلاق وسم الروح الكانطية على هذا المؤتمر الفلسفي الذي تنظمه الإمارات وتدور فاعلياته على مدار يومين في السادس والسابع من فبراير الجاري، لنكون على موعد مع روح فلسفية جديدة تشرق في أرض الإمارات لتفتح بابًا للأمل أن المعرفة الفلسفية والمؤتمرات العلمية هي السبيل الوحيد للوصول إلى مجتمع إنساني أكثر تسامحا وتعايشا وقدرة على الانطلاق نحو مستقبل تحفه المخاطر من كل صوب وحدب.

ربما يعجبك أيضا