كيف تجاوزت فرنسا عثرة «أوكوس» في استراتيجيتها نحو «الهندوباسيفيك»؟

شروق صبري

عرقلت اتفاقية (أوكوس) بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا جهود فرنسا في المحيطين الهندي والهادئ.. فكيف غيرت الاتفاقية نهج باريس؟


مر أكثر من عام منذ توقيع الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا «أوكوس»، الذي خلق أزمة دبلوماسية مع فرنسا.

ورأى الزميل في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، جان لوب سمعان، في تقرير بمجلة ناشيونال إنترست الأمريكية أن الاتفاق لم يفسد العلاقات الثنائية بين باريس وكانبيرا فقط، بل أدى أيضًا إلى تعقيد خطط فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

الشراكة في المحيطين الهندي والهادئ

قال سمعان، في تقريره، إن أستراليا وقعت على اتفاق أوكوس لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، ما أغضب باريس بشدة، لأن الأولى انسحبت على إثر الاتفاق من صفقة كبيرة مع فرنسا وقعتها في العام 2016، لتصنيع غواصات تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء بـ37 مليار دولار.

ورأى الباحث أن الاتفاق لم يفسد العلاقات الثنائية بين باريس وكانبيرا فقط، بل أدى أيضًا إلى تعقيد خطط فرنسا في المنطقة، مضيفًا أنه  بعد الصدمة الأولى التي أثارها إعلان أوكوس، لم يكن أمام فرنسا خيار سوى تجديد سياسة الشراكة في المحيطين الهندي والهادئ.

120623777 p09w3h08

اقرأ المزيد

الرئيس الأمريكي: تحالف «أوكوس» لا يحمل في طياته أي تسلح نووي

«مسار خطير».. الصين تحذر من صفقة «غواصات أستراليا» النووية

ليس نزاعًا تجاريًّا

على الرغم من أن الاستياء الفرنسي كان ينظر إليه في البداية على أنه “نزاع تجاري”، بعد إلغاء أستراليا صفقة بمليارات من الدولارات لشراء غواصات تابعة لمجموعة نافال جروب، لكن الصفقة كانت مجرد عنصر من استراتيجية أوسع لإرساء فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حسب ما أوردت المجلة الأمريكية.

وزعم سمعان أنه حتى سبتمبر 2021، كان من المفترض أن تعتمد هذه الاستراتيجية على عنصرين، الأول التقارب الفرنسي مع الهند  والثاني، هو الشراكة مع أستراليا، موضحًا أن الهدف الأهم لباريس، التي كانت أكثر انخراطًا في المحيط الهندي منها في الهادئ، وكان من المتوقع جزئيًّا أن تعمل الشراكة مع كانبيرا على إصلاح هذا الخلل.

تحركات فرنسا في المحيطين الهندي والهادئ

أشار سمعان إلى أن مشاركة فرنسا في المحيطين الهندي والهادئ اتخذت عدة أشكال، على المستوى الثنائي، كان التقارب الفرنسي مع إندونيسيا من أهم التطورات، وخلال العام الماضي، زادت التبادلات بين وزيري الخارجية والدفاع في كلا الجانبين.

وفي يوليو 2022، وصف وزير الدفاع الإندونيسي، برابوو سوبيانتو ، فرنسا بأنها “الشريك الاستراتيجي الرئيسي لبلاده”. وأبرمت فرنسا صفقة لبيع 42 مقاتلة من طراز رافال إلى إندونيسيا، التي قد يتبعها بيع غواصتين هجوميتين فرنسيتين من طراز سكوربين.

عودة العلاقات بين بارس وأستراليا

لفت الباحث بمعهد الشرق الأوسط إلى أنه في عام 2020، أطلقت فرنسا حوارًا ثلاثيًا مع الهند وأستراليا، لكنه توقف بعد أزمة أوكوس. ومع ذلك، التقى دبلوماسيون فرنسيون مع نظرائهم من الهند وأستراليا، من أجل إحياء هذا العمل، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي.

وبعد ذلك، ساعدت زيارة رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، إلى باريس في يوليو 2022، في إعادة إطلاق الحوار الفرنسي الأسترالي على أعلى مستوى. وأشار حينها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى أن صفقة الغواصات لا تزال “مطروحة على الطاولة” إذا كانت الحكومة الأسترالية الجديدة متقبلة للفكرة.

فرنسا لا تعيد النظر في الشراكة مع أستراليا

رأى سمعان أنه على الرغم من أن المشاورات الثنائية مستمرة، فإنه لا توجد توقعات في الوقت الحالي بأن تعيد فرنسا النظر في الشراكة مع أستراليا، على اعتبارها أحد أعمدة إستراتيجية فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأشار إلى أن الأمر المثير للاهتمام هو أن اجتماعًا ثلاثيًّا آخر حدث في أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حين أعلنت الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الفرنسية وجمهورية الهند تأسيس مبادرة تعاون ثلاثي بينهم، ووضع خريطة طريق لبدء تنفيذها، وفق ما أوردنه وكالة الأنباء (وام).

وأوضح الباحث أن هذه الشراكة الثلاثية نمت بعد أزمة أوكوس، على الرغم من أن المسؤولين الفرنسيين يرفضون أي علاقة سببية بين الحدثين، ويؤكدون أن التقارب بين البلدان الثلاثة كان في طور التكوين منذ عدة سنوات.

GettyImages 953629686

مناورات مشتركة

وفق التقرير، تقع القيادة البحرية الفرنسية للمحيط الهندي في الخليج العربي منذ عام 2009، إلى جانب قرابة 800 جندي فرنسي. وأشار إلى أنه خلال تلك الفترة حول الإماراتيون والهنود أيضًا علاقتهم إلى شراكة استراتيجية، تتضمن الآن التعاون في مكافحة الإرهاب والاستثمارات الإماراتية الكبرى في البنية التحتية للهند.

وبحلول عام 2021، أجرت القوات البحرية للدول الثلاث مناورات مشتركة في الخليج العربي، لكن سمعان قال إنه من السابق لأوانه تحديد المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الكتلة الثلاثية الوليدة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن فرنسا تبدو حريصة على تعزيز المحادثات بشأن التعاون الصناعي الدفاعي المشترك، وإمكانية إجراء مزيد من المشاورات في مجال الأمن البحري.

استراتيجية بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ

زعم سمعان أن فرنسا اتخذت استراتيجية خاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وعمقت مشاركتها مع المنظمات الإقليمية. وفي عام 2020، أصبحت عضوًا رسميًا في رابطة حافة المحيط الهندي، ما جعل أراضيها، لا ريونيون ومايوت، ذات سيادة في المنطقة على قدم المساواة مع بنجلاديش أو سريلانكا.

وفي نوفمبر 2022، حصلت فرنسا أيضًا على صفة دولة مراقب في اجتماعات وزراء دفاع الآسيان، وهي منصة الآسيان للمشاورات العسكرية مع الشركاء الخارجيين، مثل أستراليا والهند والولايات المتحدة.


مواجهة الصين ليست الهدف

أشار سمعان إلى أن ماكرون كان أول زعيم أوروبي يلقي خطابًا في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في بانكوك، في نوفمبر 2022، ما سمح له تسليط الضوء على النهج الفرنسي تجاه المنطقة.

ووفق سمعان، يصر المسؤولون الفرنسيون على أن باريس ترفض فكرة “المواجهة” بين القوى العظمى في المنطقة. وأن الهدف من تلك الاستراتيجية ليس مواجهة الصين، لكن تعزيز الشراكات التي تركز على المصالح المشتركة، بدلًا من التهديدات المشتركة.

ربما يعجبك أيضا