كيف قادت المناظرات التليفزيونية المرشحين إلى مقعد الرئاسة؟

محمد عبدالله

كتب – محمد عبدالله

أصبحت المناظرة التلفزيونية ركنًا أساسيّا في التنافس السياسي في أعرق الدول الديمقراطية، وانتقلت المناظرة من إطار عفوي للمواجهة بين مرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية إلى تقليد أساسي يؤثّر بشكل جوهري في اختيارات الناخبين، ويوجّه بوصلة الأصوات إلى الأكثر براعة وبلاغة وإقناعا.

سبقت المناظرة السياسية التلفزيون، وانسجمت معه بعد ظهوره، فأشهر مناظرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وهي من الدول الأوائل فى استعمال هذه التقنية، كانت قبل ظهور التلفزيون بمائة سنة في انتخابات 1860 بين عضو الكونجرس إبراهام لينكولن الجمهوري والسيناتور ستيفن دوجلاس الديموقراطي، وتحدّث المرشحان عن تجارة العبيد وامتلاكهم.

أما فرنسا فقد شهدت أول مناظرة تلفزيونية بين مرشحين للانتخابات الرئاسية سنة1974، وجمعت حينها بين “فرانسوا ميتران” و”فاليري جيسكار ديستان” الذي استطاع أن يقلب الموازين لصالحه من خلالها.

ومنذ ذلك التاريخ أصبحت المناظرات التلفزيونية من أهم مراحل الحملات الانتخابية للمرشحين الذين يحاولون التأثير على الرأي العام وكسب أصوات الناخبين من خلالها.

أوكرانيا.. زيلينسكي في مواجهة بوروشينكو

في أوكرانيا، أسهمت المناظرة التي احتضنها ملعب أوليمبيسكي، في وصول الممثل الكوميدي فولوديمير زيلينسكي إلى الحكم على حساب الرئيس المنتهية ولايته بترو بوروشنكو، بعد فوزه الساحق في دورة الاقتراع الثانية بحصوله على 73.2% من الأصوات مقابل 25.3% لمنافسه.

المناظرة التي استضافها أحد ملاعب كييف، والتي جرى خلالها تبادل عبارات القدح أكثر من خوض نقاش موضوعي كان الرئيس المنتهية ولايته يعوّل عليه لإظهار انعدام خبرة خصمه.

غير أن الممثل الذي يتمتع بخبرة عقدين من العروض المسرحية المنفردة والذي يتهم بأنه غير مؤهل للمنصب، أكثر من العبارات الصادمة، مقدما نفسه على أنه “شخص بسيط” في مواجهة “الرئيس الأغنى” في تاريخ أوكرانيا.

بعد ساعة من بدء المناظرة، قال زيلينسكي: “أنا مقتنع بأنّه بإمكاننا كسر هذا النظام برفقة أشخاص مناسبين وعقلية مغايرة، عقلية من القرن الحادي والعشرين”. وتوجّه إلى خصمه بأن “المشكلة ليست في وجود فاسدين في محيطكم (…) إنّما في أنّكم سرقتم منا خمسة أعوام”. ورد بوروشينكو أن النتيجة ستكون “اختيار الشعب الأوكراني وسأحترم أي اختيار”.

وشكّل هذا اللقاء الذي نظّم في الساعات الأخيرة للحملة الرسمية، فرصة أخيرة للرئيس بوروشينكو لمحاولة سدّ الفجوة الواسعة مع الممثل الذي منحته آخر استطلاعات الرأي نسبة 70% من الأصوات، إلا أن بوروشينكو فشل في تقليل الهوة مع منافسه، على العكس وبحسب النتائج النهائية فإنه على ما يبدو أن المناظرة قد عززت أسهم المرشح “الكوميدي”.

قيس سعيد.. الطريق إلى قرطاج



في مبادرة تاريخية غير مسبوقة وضعت مرشحو الانتخابات الرئاسية وجها لوجه في نقاشات علنية تبث مباشرة على مرأى ومسمع ملايين الناخبين، نظمت تونس في سبتمبر 2019 مناظرات اختير لها عنوان “الطريق إلى قرطاج – تونس تختار”.

تونس كما كانت سبّاقة في إشعال ثورات التحرر العربي في 2011، وعبر مبادرة ديمقراطيّة لا مثيل لها في العالم العربي، تبارى مرشحو الانتخابات الرئاسية خلال المناظرات على طرح خططهم المستقبلية وإقناع الناخبين ببرامجهم الانتخابية.

هذه العمليّة التي قدّمها مروّجوها على أنّها “الحدث” الأبرز خلال الحملة الانتخابيّة و”نقطة تحوّل” في الحياة السياسيّة في تونس التي انطلق منها حراك الربيع العربي، بدأ الإعداد لها قبلها بستة أشهر، في مقرّ قناة “الوطنية” التونسية العامة، ووقف خلالها المرشّحون على شكل نصف دائرة أمام منابر اختيرت على أساس القرعة وفي الوسط صحافيّان يُديران الحوار وفقاً للتوقيت المحدّد.

المناظرات الرئاسية التونسية وبحسب خبراء أسهمت في فك عقدة تقديس الحاكم واعتباره الأب الذي يفرض القواعد، ويضعها، وتضع مكانته موضع تساؤل وامتحان، ما ينزع عنه صورة الرئيس الذي لا يخطئ.

فضلا عن أنها استطاعت  تكريس قيم الشفافية والنزاهة وتشكيل وعي انتخابي حقيقي، وإن شابها بعض النقائص لا سيما كثرة عدد المتناظرين والاهتمام بأمور شكلية وإجرائية والرتابة في النقاش.

بريكست.. عنوان مناظرة جونسون وكوربن

في إطار الانتخابات البرلمانية المقررة في 12 كانون الأول/ ديسمبر، أجريت مناظرة تلفزيونية بين كل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وزعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن.

شهدت المناظرة، التي استمرت لساعة، مواجهة حادة حول بريكست، وأتت في ظل استياء الأحزاب الأخرى الأقل تمثيلا ولا سيما “الليبرالي الديمقراطي” و”القومي الاسكتلندي” المؤيدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي.

تناولت المناظرة الخدمات العامة والاقتصاد والبيئة والأمير آندرو نجل الملك إليزابيث الثانية الذي تصدر عناوين الصحف بعد مقابلة تلفزيونية حول علاقة الصداقة التي كانت تربطه بالمتمول الأمريكي جيفري إبستين المدان بممارسات على صلة بممارسة الدعارة والذي انتحر في سجنه في 10 آب/أغسطس. وقال كوربن “هناك تساؤلات خطيرة تتطلب أجوبة”، مؤكدا تضامنه مع عائلات الضحايا وهو ما أكده بدوره جونسون معتبرا أن “العدالة يجب أن تأخذ مجراها”.

كما اتهم كوربن رئيس الوزراء بعقد “اجتماعات سرية” مع الولايات المتحدة لفتح قطاع الصحة العامة جزئيا أمام شركات الأدوية الأمريكية. ورد جونسون معتبرا الأمر “مختلقا بالكامل”.

هاجم جونسون زعيم حزب العمال على خلفية تردده في ملف بريكست، ورد كوربن “الأمر واضح جدا” مضيفا “ثلاثة أشهر للتفاوض على اتفاق بريكست جديد” و”ستة أشهر (لإجراء) استفتاء” يتيح للبريطانيين الموافقة عليه أو البقاء في الاتحاد الأوروبي.

ربما يعجبك أيضا