كيف قلبت خدمة «ستارلينك» للإنترنت الفضائي موازين الحرب في أوكرانيا؟

نادرًا ما تتأثر الجغرافيا السياسية بالأعمال التجارية، لكن مع احتدام القتال في أوكرانيا، أظهرت خدمات النطاق العريض المتنقلة عبر الأقمار الصناعية أنها “حاسمة” في أوقات الحرب وحالات الطوارئ الأخرى.

وأبرز تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية بتاريخ 4 مايو 2022، دور خدمة الإنترنت الفضائي ستارلينك، التابعة لشركة سبيس إكس التي يرأسها الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، في أوكرانيا، مع استمرار استهداف البنية التحتية للاتصالات الأوكرانية، بأسلحة عسكرية وهجمات إلكترونية، يُعتقد أن روسيا تقف وراءها.

شريان حياة للمعلومات

قالت المجلة إن خدمة الإنترنت الفضائي أضحت بمثابة شريان حياة للمعلومات في أوكرانيا، يُحافظ على إبقاء المستشفيات المتضررة على اتصال، ويعمل كحلقة وصل للطائرات بدون طيار التي تستهدف ضربات مدفعية ضد قوات روسية، منذ إعلان ماسك في 26 فبراير الماضي تزويد أوكرانيا بمحطات “ستارلينك” وتوفير خدمة الاتصال القمري بالإنترنت.

ووفق فورين بوليسي، فإن القوات الجوية الأوكرانية استخدمت “ستارلينك” للاتصال مباشرة بطائرات بدون طيار دمّرت دبابات روسية، واستهدفت مراكز قيادة متنقلة ومركبات عسكرية أخرى. وزوّدت كييف مدارس وإدارات مكافحة الحرائق وحكومات البلديات بمحطات طرفية. وفق وزارة الصحة الأوكرانية، تلقّى 590 مستشفى وعيادة محطات ستارلينك، لمساعدتها على البقاء على اتصال أثناء القتال حتى أواخر مارس الماضي.

الإنترنت عبر الأقمار الصناعية

بحسب شبكة إن بي سي نيوز، فإن الإنترنت عبر الأقمار الصناعية موجود منذ عقود، تستخدمه إما الجيوش في أوقات الحروب أو المناطق الريفية كملاذ أخير يُوفر لها اتصالات ذات نطاق عريض موثوق. لكن في السنوات الأخيرة، فتحت صناعة الفضاء المزدهرة، الباب أمام أقمار صناعية أصغر يُمكنها توفير خدمة الإنترنت، بما في ذلك ستارلينك، وخدمة منافسة من شركة أمازون تُدعى “مشروع كوبير”.

ويستهدف ستارلينك، الذي أطلقته سبايس إكس في منتصف 2019، توصيل الإنترنت لجميع أنحاء العالم، عبر أقمار صناعية مدارية قريبة من الأرض خلافًا للأقمار التقليدية، ومنذ 2015 حتى وقت قريب نشرت نحو 1800 قمر صناعي، بدأت في نشر الخدمة في أجزاء من الكرة الأرضية، تشمل الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبية.

محطات ستارلينك.. كيف قلبت الحرب لصالح أوكرانيا؟

أفاد وزير التحول الرقمي الأوكراني، ميخايلو فيدوروف، بأن أوكرانيا تضم الآن أكثر من 10 آلاف محطة طرفية لستارلينك. وبخلاف أبراج نقل الهواتف المحمولة، فإن أطباق الأقمار الصناعية التي تستخدمها القوات الأوكرانية لاستقبال “ستارلينك” صغيرة، بعرض حوالي 23 بوصة، ويمكن تحريكها بسهولة لتفادي اكتشافها ومن ثمّ استهدافها.

قال جندي أوكراني يُدعى ديما، للصحفي البريطاني ديفيد باتريكاراكوس: “ستارلينك هو الذي غيّر الحرب لصالح أوكرانيا. لقد قطعت روسيا كل اتصالاتنا، لكن لا يسعها ذلك الآن. ستارلينك يعمل تحت نيران صواريخ الكاتيوشا وتحت نيران المدفعية، حتى أنه يعمل في ماريوبول”، وفق فورين بوليسي.

"I want to say one thing: @elonmusk's Starlink is what changed the war in #Ukraine's favour. #Russia went out of its way to blow up all our comms. Now they can't. Starlink works under Katyusha fire, under artillery fire. It even works in Mariupol." pic.twitter.com/C2QnVTE3tc

— David Patrikarakos (@dpatrikarakos) April 27, 2022

دعم حاسم

تضم خدمة ستارلينك حوالي 250 ألف مشترك على مستوى العالم، بما في ذلك العملاء الأفراد والمؤسسات، كما أعلن جوناثان هوفيلر، نائب رئيس المبيعات التجارية لشركة سبيس إكس، خلال جلسة بمؤتمر القمر الصناعي 2022 في مارس الماضي.

وأفادت شبكة سي إن بي سي الأمريكية، باتصال نحو 150 ألف أوكراني بالإنترنت، يوميًا بفضل خدمات الإنترنت ستارلينك، استنادًا إلى بيانات تقريبية شاركها الوزير الرقمي الأوكراني ميخايلو فيدوروف، مُغردًا: “هذا دعم حاسم للبنية التحتية في أوكرانيا واستعادة الأراضي المدمرة”.

Rough data on Starlink's usage: around 150K active users per day. This is crucial support for Ukraine's infrastructure and restoring the destroyed territories. Ukraine will stay connected no matter what. pic.twitter.com/XWjyxPQJyX

— Mykhailo Fedorov (@FedorovMykhailo) May 2, 2022

مرونة وسرعة وتكيّف

محطات ستارلينك، المكونة من حوالي 2000 قمر صناعي، في مدار أرضي منخفض لتقديم إنترنت عالي السرعة بأي مكان، تتسم بالمرونة والقدرة على التكيف وتوفير الخدمة بسرعة نسبيًا، لذا فإنها ساعدت في استعادة اتصالات الكابلات بين القرى في منطقة تشيرنيغيف بعد معارك خطيرة مع قوات روسية، كما غرّد وزير التحول الرقمي الأوكراني، ميخايلو فيدوروف، في إبريل الماضي.

تتميز محطات ستارلينك، الشبيهة بالأطباق التي تلتقط البث التلفزيوني عبر القمر الصناعي، بالمرونة والقدرة على التكيف وتوفير الخدمة بسرعة نسبيًا، لذا فإنها ساعدت في استعادة اتصالات الكابلات بين القرى في منطقة تشيرنيغيف بعد معارك خطيرة مع قوات روسية، كما غرّد وزير التحول الرقمي الأوكراني، ميخايلو فيدوروف، في إبريل الماضي.

Is Starlink that important? It wouldn't be possible to restore 10 km of cable connection between villages in Chernigiv region after serious battles so quick. Normally it takes few months. Another case: provider Baryshivka-Net resumed the network for 5 villages by using only 1 📡. pic.twitter.com/VPY7nMAlz4

— Mykhailo Fedorov (@FedorovMykhailo) April 19, 2022

وعندما لجأت روسيا إلى إجراءات إلكترونية مُضادة، سارعت ستارلينك لتحديث شبكتها لمواجهة ذلك، وفق ديف تريمبر، مدير الحرب الإلكترونية في مكتب وزير الدفاع الأمريكي. قال تريمبر إن السرعة التي تصدى بها ستارلينك لهجمات روسية كانت “مذهلة”. ولا تقتصر خدمات ستارلينك على أوكرانيا وحدها. في ديسمبر 2021، عندما قطعت سلسلة أعاصير قوية خدمة الإنترنت في أجزاء من غرب كنتاكي، أعادت ستارلينك الخدمة في غضون 24 ساعة.

“ستارلينك” في أوكرانيا.. سلاح ذو حدين

يقول خبراء أمنيون إن ستارلينك يُعد سلاحًا ذو حدين في أوكرانيا، شريان حياة ومصدر تهديد في آنٍ واحد. في تغريدة بمارس الماضي، أقرّ إيلون ماسك بأن ستارلينك “نظام الاتصالات الوحيد غير الروسي الذي لا يزال يعمل في أجزاء بأوكرانيا، لذا فإن احتمال استهدافه مرتفع”.

Important warning: Starlink is the only non-Russian communications system still working in some parts of Ukraine, so probability of being targeted is high. Please use with caution.

— Elon Musk (@elonmusk) March 3, 2022

وحذّر جون سكوت ريلتون، أحد كبار الباحثين في مختبر سيتيزن لاب لمراقبة الإنترنت، من استهداف روسيا لوحدات ستارلينك، مُغردًا: “لدى روسيا خبرة كبيرة في استهداف الناس من خلال اختراق الاتصالات عبر الأقمار الصناعية”، مشيرًا إلى أنه في عام 1996، قتلت طائرات روسية الرئيس الشيشاني جوهر دوداييف، بعد اكتشاف موقعه باستخدام وصلة هاتفه عبر الأقمار الصناعية.