لعبة “المصالح الأممية” تشتعل على جبهة “البوكمال”

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

أعلنت الولايات المتحدة عن موافقتها على دخول الجيش السوري الحر في المنطقة الممتدة من “التنف إلى البوكمال”، حيث اتصلت واشنطن قبل أيام عدة بفصائل الثورة السورية في الجنوب والبادية السورية، وهي الفصائل نفسها التي فرضت عليها خلال الفترة الأخيرة تجميد عملياتها القتالية لأنها رفضت طلب واشنطن منها التفرغ لقتال تنظيم الدولة وعدم مقاتلة قوات الأسد ومليشيات إيران نهائيا، وستكون المرحلة الأولى، في أن تسبق فصائل الثورة السورية بغطاء جوي ومدفعي وناري أمريكي إلى البوكمال، قوات الأسد والمليشيات الشيعية المتحالفة معه والسيطرة عليها قبل مليشيات إيران والحشد.

أما على المدى البعيد فتهدف تلك العمليات تهدف لعزل إيران في سوريا ومنعها من فتح طريق الشرق الإيراني، تمهيدا لطردها من سوريا.

وتشهد معارك البوكمال خاصة ودير الزور عامة تواجدًا كبيرًا لميليشيا الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة لإيران التي تسعى إلى احتلال المنطقة لتأمين الخط الواصل بين طهران بيروت مروراً بسوريا والعراق الشيء الذي قالت أمريكا إنها لن تسمح به مستعينة بميليشيا “سوريا الديمقراطية” (قسد) التي باتت على مشارف البوكمال.

أهمية البوكمال

تشكل البوكمال عسكريا ما يصطلح الاستراتيجيون على تسميته “نقطة التقاء” نهر الفرات، مع الحدود العراقية وتعتبر البوكمال همزة الوصل التي تفتح لطهران في حال سيطرتها عليها شريان التمدد الاستراتيجي الأرضي الشيعي.

البوكمال استراتيجيا رأس المثلث الواقع بين نهر الفرات والحدود السورية مع العراق، وهي تأخذ بعدا استراتيجيا يضاهي البعد الاقتصادي بسبب اتصالها الجغرافي مع البادية السورية خران الطقاة في سوريا.

معركة البوكمال تعني بدء السباق بين إيران وأمريكا للسيطرة على الطرق والعقد البرية التي تربط بين دول المنطقة الحدودية.

البوكمال وطريق إيران البري

وقد أنشأ التحالف الدولي قاعدة عسكرية في المنطقة، بإدارة قوات أمريكية وبريطانية، كما دربت فصائل من “الجيش الحر”، أبرزها “جيش مغاوير الثورة”.

وبعد تحذيرات عدة من قبل أمريكا لإيران والنظام من الاقتراب إلى التنف، بدأت طهران البحث عن منفذ جديد عبر الأراضي السورية لتتجه أنظارها نحو البوكمال.

وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية، قالت في تقرير لها، في أيار/مايو الماضي، إن إيران غيرت طريق الممر إلى البوكمال لتجنب الاقتراب من مواقع القوات الأمريكية.

محاولة السيطرة على البوكمال سبقها سيطرة القوات العراقية، المدعومة من إيران أيضًا، على مدينة القائم المقابلة للبوكمال من جانب العراق، الأسبوع الماضي.

ويمر الممر البري من دير الزور إلى السخنة في ريف حمص، ومنها إلى تدمر وثم إلى دمشق والحدود اللبنانية، ومن هذه النقطة يفتتح الطريق إلى اللاذقية وبيروت والبحر الأبيض المتوسط.

ويعتبر الممر البري “الجائزة الأكبر”، كما وصفته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، إذ يضمن لإيران طريق إمداد لنقل الأسلحة الإيرانية إلى حليفها في لبنان (حزب الله)، كما سيسهل حركة الميليشيات التي تدعمها، إضافة إلى كونه طريقًا تجاريًا بديلًا عن مياه الخليج.

أمريكا وقسد

والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم تستعين واشنطن بقوات قسد التي تهيمن عليها وحدات الحماية الكردية، وتريد الاعتماد على الفصائل العربية التي خذلتمهم مرارا وتكرارا، الرد الأمريكي كان الوحدات الكردية وحزبها السياسي لا يمكن أن يكونوا شركاء موثوقين لأمريكا في المنطقة خصوصا في محاربة إيران في سوريا، لأن قرار الحزي الكردي الماركسي التوجه وهو الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني التركي يأتي من جبال قنديل، وهؤلاء لهم مصالح مشتركة مع إيران، ولأن هذا الحزب لا يريد إفساد تحالفاته مع إيران وروسيا والأسد ، خصوصا بعد حصوله خلال مفاضوات سرية مع نظام الأسد على وعد بالحصول على الحكم الذاتي في بعض مناطق شمال سوريا.  

صراع واشنطن وموسكو

من جهته، قال المحلل العسكري “منذر ديواني”، إنه منذ إعلان قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا نيتها السيطرة على مدينة البوكمال، اتخذت روسيا بالتنسيق مع قوات النظام والمليشيات العاملة معها عدة خطوات تمكنها من فرض سيطرتها على المدينة مستبقة بذلك التحالف بغية فرض مجموعة من الطلبات التي ترغب موسكو بتحقيقها بما يخدم مصالحها.

وأوضح “ديواني”، أن الخطوات الروسية تتمثل ببث صور لمقاتلي ميليشيا “حزب الله” اللبناني والحشد الشعبي (ميليشيات عراقية تتبع لإيران) عند مدينة القائم العراقية على الحدود السورية بعد السيطرة عليها.

وأشار المحلل العسكري (وهو من دير الزور ونقيب منشق عن قوات النظام) أن “تنظيم الدولة تمكن ومن خلال تنفيذه لعدة كمائن صد عناصر الحشد الشعبي وكان أكبرها في قرية الهري مما نجم عنه خسارة عدد كبير من مقاتلي الحشد إضافة إلى المقاومة العنيفة في مواجهة قوات النظام قبل الوصول إلى ضواحي مدينة البوكمال في منطقة بادية التنف”.

وعلق المحلل العسكري على بيان سيطرة النظام على البوكمال بالقول: إن “الإعلان جاء لغرض إعلامي فقط وهو إيصال رسالة لأمريكا بأن المدينة دخلت في حسابات روسيا”.

وأضاف “بعد يومين من هذا الإعلان قام التنظيم ببث فيديو ينفي تصريحات النظام وأنه مازال متواجد في المدينة وتتوالى اﻷنباء عن قيام النظام نتيجة للضغط الحاصل على قواته في منطقة التنف بالانسحاب من بعض المناطق (حميمة و الوعر) ولاتزال اﻷسباب التي أدت إلى انسحابه مجهولة حتى هذه اللحظة”.

تقهقر تنظيم الدولة، وتراجع إلى معاقله في صحراء سوريا والعراق وممارسته الاستراتيجية نفسها التي مارسها بعد خرج من المدن العراقية في عام 2007م، أدى إلى زيادة احتمالات المواجهة بين المليشيات التابعة لإيران وبين فصائل الجيش السوري الحر المدعومة أمريكيا، كما أن استعانة أمريكا هذه المرة بالجيش الحر وليس قوات سوريا الديمقراطية “قسد” يؤكد أن هناك تغيرا في الاستراتيجية الأمريكية الساعية لانهاء النفوذ الإيراني في سوريا، والتي أعلن عنها الرئيس الأمريكي ترامب مرارا وتكرارا، الأهم هنا أن روسيا اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تعطل ما أسمته العمليات ضد تنظيم الدولة في البوكمال، وإن صح هذا فيعني، أن أمريكا تريد أن تسيطر القوات التي تدعمها على البوكمال وإنها لن تسمح لقوات الأسد وإيران وروسيا بالسيطرة عليها.  

ربما يعجبك أيضا