لماذا اختار ماكرون دولة مالي كمحطة أولى له خارج أوروبا؟

نرمين توفيق

بقلم – نرمين توفيق

بعد أيام قليلة من وصول الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه ولى وجهه شطر القارة الأفريقية، واختار دولة مالي لتكون وجهته الأولى في جولاته خارج القارة العجوز، في زيارة تعكس ملامح السياسة الخارجية لـ (فرنسا – ماكرون) خصوصا مع اصطحابه لوزير خارجيته جان إيف لودريان، المعروف بعلاقاته القوية بعدد من القادة الأفارقة.

وتمثل منطقة غرب أفريقيا التي تقع بها مالي أهمية بالغة ودائرة نفوذ قوي لفرنسا، فتاريخيا احتلت فرنسا معظم دولها أثناء الفترة الاستعمارية، وتعد حتى الآن اللاعب الرئيسي في تلك المنطقة والمسيطر على معظم ثرواتها، فاللغة الفرنسية هي اللغة الأولى بها، وتصنف دولها على أنها فرانكفونية، بالإضافة إلى دور باريس المعروف في تمكين سياسيين موالين لها من أجل الوصول إلى حكم تلك الدول، وبهذا فإن فرنسا تلعب دور الشرطي في غرب أفريقيا.

تواجد عسكري
وصل ماكرون، أمس الجمعة، إلى القاعدة العسكرية الفرنسية في مدينة جاو شمال مالي للقاء جنوده المتواجدين هناك باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الفرنسية، في زيارة تفقدية استغرقت يوماً واحداً حيث استقبله الرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كيتا، ودعا من هناك إلى “التعبئة الأوروبية من أجل مكافحة الإرهاب في إفريقيا”، مجدداً التزام بلاده العسكري في القارة الأفريقية.

وتعتبر قاعدة جاو مركز عملية “برخان” الفرنسية، والتي تم إطلاقها في 2014 لمحاربة الإرهاب في دول الساحل الأفريقي (مالي وبوركينافاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد) وتتكون من ثلاثة آلاف جندي، وجاءت استمرارًا لعملية “سرفال” ، التي قادتها فرنسا بطلب من حكومة مالي في 2012 بعد محاولة الحركة الوطنية لتحرير أزواد المنتمية إلى الطوارق القيام بتمرد في شمال مالي ضد الحكومة المركزية لإعلان انفصال هذا الإقليم عن الدولة وانضمام حركات تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي لها على رأسها جماعة أنصار الدين، ونجحت فرنسا في وقف هذه التحركات والسيطرة على هذا التمرد، وحتى الآن لا تزال القوات الفرنسية موجودة بمالي.

في ذات السياق أشارت صحيفة لوموند إلى أن باريس تسعى لدى الأمم المتحدة من أجل تعزيز مهام قواتها في مالي لأن القوات الفرنسية لا تملك تفويضا يسمح لها باستخدام القوة من أجل نزع سلاح المجموعات المحاربة، كما هو الحال مع  قوات الأمم المتحدة التي تفتقر إلى العتاد والموارد مما مهد الطريق للمتشددين والمهربين لاستغلال الفراغ في شمال البلاد، وقد صرح أحد المقربين من الرئيس ماكرون لـ لوموند أن المؤشرات تظهر نية فرنسا لتعزيز الدبلوماسية بذراع مسلح قوي.
 
تعاون أوروبي
دعا ماكرون ألمانيا في كلمته بالمؤتمر الصحفي للتعاون مع فرنسا أمنيا في مالي حيث قال “أريد تعزيز الشراكة مع ألمانيا من أجل الأمن في مالي، ولقد تحدثت بهذا الأمر مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل”.

اختيار ماكرون لألمانيا لم يأت عبثيا وإنما لأنها تعد أكبر دولة مساهمة في بعثة الأمم المتحدة في مالي مينوسما، وقد أشارت صحيفة لوفيجارو الفرنسية أن “ماكرون يريد أن يشرك ألمانيا والأوروبيين في مكافحة تنظيم “داعش في منطقة الساحل”، ورأت الصحيفة أن فرنسا لم يعد بإمكانها لعب دور الشرطي وحدها في هذه المنطقة من العالم.

علاقات اقتصادية
أهداف الزيارة لم تقتصر على التعاون العسكري أو تأكيد التواجد الفرنسي في أفريقيا فقط، وإنما امتدت إلى الجوانب الاقتصادية التي تعتبر ركيزة هامة في العلاقات الفرنسية المالية حيث أعلن ماكرون تخصيص 470 مليون يورو لدعم التنمية في مالي، بالتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية، في ظل وجود المدير العام الوكالة الفرنسية للتنمية في الوفد.

دلالات الزيارة
عليه يمكن القول أن هذه الزيارة في هذا التوقيت توضح أهمية أفريقيا في السياسة الخارجية الفرنسية في عهد ماكرون، ورغبة باريس في الظهور كلاعب قوي لا زال يملك الكلمة العليا في هذه المنطقة، خصوصا مع تأكيد مسئولين فرنسيين في باريس وفقا لموقع فرانس 24 الإخباري أن الحكومة الفرنسية ستبقي على جنودها في المنطقة لأجل غير مسمى، وأن ملف مكافحة الإرهاب سيكون حاضرا بقوة على أجندة ماكرون الذي يرغب أكثر من سلفه فرانسوا هولاند  في التركيز على التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب مع الدول الأوروبية الأخرى، بالإضافة إلى تركيز ماكرون على الاقتصاد، مما يعكس أن هذه الزيارة ربما تكون مقدمة لزيارات قريبة له في مناطق أخرى في غرب ووسط أفريقيا.

ربما يعجبك أيضا