محور سياستها الخارجية حاليًا.. ماذا تريد الولايات المتحدة من شرق آسيا؟

علاء بريك

في سياق التنافس الأمريكي الصيني، تزداد أهمية منطقة شرق آسيا لكل من القوتين، فكيف تنظر الولايات المتحدة إلى هذه المنطقة وما أهدافها؟


أصدرت الولايات المتحدة، في فبراير المنصرم، استراتيجيتها إزاء المنطقة الممتدة من المحيط الهادي إلى المحيط الهندي، والتي تمثِّل محور السياسة الخارجية الأمريكية حاليًا.

في أكتوبر 2011، قالت السياسية الأمريكية هيلاري كلينتون، في صحيفة الفورِن بوليسي: “على مدار العقد الماضي، أنفقنا موارد هائلة على العراق وأفغانستان، وفي العقد الحالي علينا أن نكون أذكى بشأن استثمار وقتنا وطاقتنا لنحافظ على قيادتنا العالمية ومصالحنا ونشيع قيمنا، على هذا تكون المهمة الأساس لصنّاع السياسة في بلدنا زيادة استثماراتنا المختلفة في منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادي”.

أمن أمريكا مرتبط بأمن آسيا

تدرك الإدارة الأمريكية أن منطقة المحيط الهادي/ الهندي تضم أكثر من نصف سكان العالم وثلثي اقتصاد الكوكب و7 من أكبر جيوش العالم، فضلًا عن أن القواعدَ العسكرية الأمريكية بها تفوق أي منطقة أخرى خارج الولايات المتحدة، ومنها يأتي 900 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الولايات المتحدة، لتكون أهميتها متزايدة.

وتعترف الإدارة الأمريكية بأنَّ أمنها مرتبط بأمن آسيا، بناءً على تجربتها في الحرب العالمية الثانية، والتي جعلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تدرك أهمية المنطقة، فتقاربت إدارة جورج بوش الابن مع الصين واليابان والهند، وعجّلت إدارة أوباما من التقارب بتبنيها استراتيجية “المحور نحو آسيا” في سياستها الخارجية وطرحها مشروع الشراكة العابرة للمحيط الهادي.

الصين والولايات المتحدة

في 2011، قالت هيلاري كلينتون في الفورن بوليسي: “الواقع أنَّ أمريكا مزدهرة أمر جيد للصين والعكس صحيح.. لكن يتعذر بناء علاقةٍ بيننا على أساس التطلعات وحدها بل يقع علينا ترجمة كلماتنا الإيجابية لأفعال.. مع التنويه باختلافاتنا والابتعاد عن الآمال الخيالية”، متابعةً: “على الصين إجراء مزيد من الإصلاحات الاقتصادية لتتمكن شركاتنا من الدخول والمنافسة في سوقها”.

وأضافت: “في الوقت نفسه يكون بإمكان الصين الحصول على التقنية المتطورة من الولايات المتحدة دبلوماسيًا”، مبينةً أن الولايات المتحدة تتبنى سياسة الصين الواحدة، بمعنى أنَّها لا تتحدث عن تايوان بصفتها بلدًا مستقلًا”، لكن مؤخرًا بدأت تخرج عنها حسب تصريحات بعض مسؤوليها الرسميين.

توتر العلاقات بين واشنطن وبكين

منذ 2011 إلى اليوم جرت مياه كثيرة، وزادت التوترات بين البلدين، لا سيّما مع وصول الرئيس الصيني شي جين بن إلى السلطة، لينصب التركيز الأمريكي على منطقة المحيط الهادي والهندي، وتبرر استراتيجيتها ذلك بأنَّ الصين تطرح على المنطقة تحدياتٍ متعاظمة، فبكين تسخّر جبروتها الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري والتقني لخلق مناطق نفوذ لها في المنطقة.

وتتابع الاستراتيجية بأنَّ هدف الإدارة الأمريكية ليس تغيير الصين، بل ترسيم البيئة الاستراتيجية المحيطة بها وخلق نفوذ مقابل. لهذا فأي رد أمريكي على الصين يحتاج إلى ضمان شركاء في المنطقة، الأمر الذي تعمل عليه الاستراتيجية الحالية.

تطلعات الولايات المتحدة في المنطقة

تتبع واشنطن إزاء المنطقة نهجًا يتفق مع نهج أصدقائها كاليابان وبريطانيا وفرنسا، وتصف استراتيجيتها بأنّها مبدئية وطويلة الأمد وتضرب جذورها في الديمقراطية، وأنها تطرح هدفًا ضمنيًا مؤداه إدارة التنافس مع الصين بمسؤولية، وتوقعت الباحثة في برنامج آسيا في مؤسسة “German Marshal Fund for U.S”، جاريما موهان، ضرب الاستراتيجية على وترٍ حساس في عدة دول أوروبية اتخذت موقفًا حذرًا من الصين.

تمحورت الأهداف الأمريكية حول 5 مرامٍ رئيسة، هي “منطقة حرة ومفتوحة سياسيًا وتجاريًا، ومنطقة مترابطة ومتواصلة من خلال تعزيز التحالفات الإقليمية والتحالف مع منطقة الأورو/ أطلسي، ومنطقة مزدهرة من خلال الاستثمار وتكييف القواعد التجارية وتطوير البنية التحتية، ومنطقة آمنة من خلال زيادة الوجود العسكري الأمريكي وتعزيز التنسيق الأمني والاتفاقات الأمنية المشتركة، ومنطقة قابلة للتكيف مع التغيرات المناخية والأوبئة والكوارث البيئية”.

تبعات الحرب الروسية الأوكرانية

بحسب الدبلوماسي النيوزيلندي إيان هِل، فإنَّ لـ”الأزمة الأوكرانية” تبعات أبعد تطال منطقة المحيط الهادي والهندي، فالشراكة الصينية والروسية الموقعة الشهر الماضي وُصِفَت بأنَّها “غير محدودة“، وتمثل بكين سوقًا بديلًا للطاقة والموارد الطبيعية الروسية، بيد أنَّ الحرب الأوكرانية يهدد بترك أثر سلبي في الاقتصاد الصيني نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والخامات. وتعد الشراكة الروسية الهندية راسخة واستراتيجية والعلاقات العسكرية والتجارية بين البلدين خير دليل.

روسيا تتمتع أيضًا بشراكات مع بلدان أخرى في جنوب شرق آسيا، ما يثير تساؤلًا حول مستقبلها مع منتدى رابطة دول جنوب شرق آسيا وقمة شرق آسيا لأن حربها الحالية تتعارض مع متطلبات الاتفاقيتين، ومع المستجدات الحالية قد تجد واشنطن نفسها أمام جبهتين في أوروبا وآسيا، وستسارع إلى تعزيز علاقاتها مع دول منطقة المحيط الهادي والهندي، وقد يثمر إضعاف روسيا على المدى المتوسط عن تيسير وتسهيل سياستها الخارجية في آسيا.

ربما يعجبك أيضا