“ماكرون” لإيران .. الاتفاق النووي لا يعني القبول بمحور المتوسط

شيماء مصطفى

رؤية

الشهر الماضي، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن إيران تسيء فهم فرنسا، وأن بلاده ليست منحازة إلى أحد. كان تصريح ماكرون على خلفية إتهامات إيران له بعد جولة خليجية استثنى إيران فيها، وانتقد طهران خلالها واتهمها بعدم اتباع سياسة مطمئنة لجيرانها.

تقود باريس حملة أوروبية هدفها ممارسة الضغوط على إيران لوقف تمددها داخل بلدان الشرق الأوسط، وتتولى هذه الحملة التفريق بين الملف النووي، وبين تهديد إيران لمحيطها الإقليمي مستفيدة من المزايا التي وفرها الاتفاق النووي عبر رفع العقوبات.

فقد دعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، روسيا إلى ممارسة ضغوط على الرئيس السوري حتى يخفف الحصار عن الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق.

وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أمس الثلاثاء، رفض أي “محور” إيراني من “البحر المتوسط إلى طهران” وطالب برحيل المقاتلين الإيرانيين الموجودين في سوريا.

وقال لودريان: “لا للوجود الإيراني وللرغبة الإيرانية في إقامة محور من البحر المتوسط إلى طهران”.

وذكر لودريان، أن “إيران توفد مقاتلين وتدعم حزب الله (الشيعي اللبناني) في سوريا”، كما يحظى نظام الرئيس السوري بشار الأسد بدعم عسكري من روسيا التي أعلنت الإثنين سحب “قسم كبير” من قواتها في سوريا.

في نوفمبر، كان لودريان أثار غضب طهران عندما ندد بـ”نزعة الهيمنة” لدى إيران في الشرق الأوسط ولبنان واليمن مرورا بسوريا والعراق.

وشدد على أن سوريا يجب أن تعود “دولة ذات سيادة أي بعيدة عن الضغوط ووجود دول أخرى”.

ويثير تصاعد نفوذ إيران توترا شديدا مع الدول العربية في المنطقة وتساؤلات في الغرب.

بخلاف الولايات المتحدة التي تهدد بإعادة النظر في الاتفاق النووي الموقع مع إيران، فإن الأوروبيين وفي مقدمتهم فرنسا، يطالبون بالإبقاء عليه لكن يحثون طهران على إعادة النظر في برنامجها البالستي وعلى اعتماد استراتيجية أقل “عدوانية” في المنطقة.

قناعة أوروبية

التحرك الفرنسي يستند على قناعة جماعية لدول الاتحاد الأوروبي بأن لا استئصال حقيقيا لمعضلة الإرهاب في منطقة من دون وضع حد للسياسات التي تنتهجها طهران، والتي ستوفر حاضنة شعبية جديدة لإرهاب آخر تحت مسميات أخرى.

ولفتت مصادر دبلوماسية فرنسية متابعة للملف الإيراني إلى أن فرنسا والاتحاد الأوروبي ما زالا متمسكين بالاتفاق النووي الذي أبرم بين طهران ومجموعة الخمسة زائد واحد على عكس الموقف الذي عبر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

واعتبر مراقبون تصريحات لودريان تشخص الفرق بين الملف النووي الإيراني والتهديد الإيراني للمنطقة، وتؤكد قناعة جديدة بأن التهديد الحقيقي للمنطقة ليس نوويا.

وأضاف هؤلاء أنه إذا استوعب الغرب هذا الموضوع، تكون الأمور في مسارها الصحيح.

ونقل عن مراجع مالية واقتصادية أوروبية أن الشركات الأوروبية الكبرى ما زالت مترددة في الاستثمار داخل السوق الإيراني على الرغم من المغريات التي تقدمها الدبلوماسية الإيرانية، وأن السوق الإيراني سيبقى خطرا على رؤوس الأموال الدولية طالما أن إيران في حالة حرب دائمة تمارسها عبر ميليشياتها المنتشرة من اليمن إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا.

وفصّل لودريان المشكلة، بأن “إيران توفد مقاتلين وتدعم حزب الله في سوريا”، كما يحظى نظام الرئيس السوري بشار الأسد بدعم عسكري من روسيا التي أعلنت الإثنين سحب قسم كبير من قواتها في سوريا.

ويكرر وزير الخارجية الفرنسي ما سبق أن صرح به في نوفمبر الماضي، وأثار غضب طهران عندما ندّد بـ”نزعة الهيمنة” لدى إيران في الشرق الأوسط ولبنان واليمن مرورا بسوريا والعراق.

وتقول المصادر نفسها: إن تطورا طرأ على موقف باريس والعواصم الأوروبية في هذا الصدد مفاده ربط التأييد للاتفاق النووي بآلية دولية جديدة لمراقبة البرنامج الصاروخي الإيراني من جهة وبتخلي طهران عن سياساتها العدائية وتدخلاتها في بلدان الشرق الأوسط.

ويطالب الموقف الأوروبي الجديد إيران وروسيا بتغيير سياساتهما وفق ما يحمل السلم والاستقرار إلى المنطقة.

وأشار لودريان -في هذا الصدد- إلى مسؤولية موسكو وطهران في عملية السلام في سوريا قائلا: إن “أبرز جهتين فاعلتين في هذه القضية هما روسيا وإيران، ولا بد أن تمارسا ثقلهما من أجل التوصل إلى حل سياسي مع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي”.
 
ولاحظ مراقبون فرنسيون تصاعد إيقاعات الدبلوماسية الفرنسية في الشرق الأوسط، كما وضوح تموضعها الجديد في ما يتعلق بملفات المنطقة، لا سيما في الشأن السوري ما بين موقفي واشنطن وموسكو.

وينقل عن مرجع سياسي فرنسي كبير أن فرنسا مصرة على بقاء التواصل مع إيران، وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستعد لزيارة طهران العام المقبل.

ويضيف هذا المرجع أن سلسلة المواقف التي تصدرها الإدارة سواء على لسان ماكرون أو على لسان وزير خارجيته هدفها وضع قواعد وشروط لطبيعة العلاقة التي تريدها المجموعة الدولية، لا سيما فرنسا والاتحاد الأوروبي مع إيران.

وكان الرئيس الفرنسي قد اعتبر في نيويورك في سبتمبر الماضي، أن الاتفاق النووي مع إيران -والذي أبرم عام 2015- لم يعد كافيا نظرا إلى التطورات الإقليمية. و”الضغوط المتزايدة التي تمارسها إيران في المنطقة”.
وقال ماكرون: “نحن بحاجة إلى اتفاق 2015. هل هو كاف؟ كلا، نظرا إلى التطورات الإقليمية والضغوط المتزايدة التي تمارسها إيران في المنطقة”، مشيرا أيضا إلى “النشاط الإيراني المتزايد على صعيد الصواريخ الباليستية”.

وتؤكد مصادر أوروبية في بروكسل أن الموقف الفرنسي الأوروبي الجديد يستند على عملية إعادة تقييم جذرية قامت بها المؤسسات المتخصصة في تحديد السياسة الخارجية للاتحاد بمساهمة كبرى من قبل المؤسسات الأمنية والعسكرية المعنية بشؤون العلاقة مع الشرق الأوسط.

ووفق مصادر سياسية، فإن الدبلوماسية الفرنسية ترصد عن كثب سعي إيران للتمسك بأساليبها وأدواتها التقليدية المعروفة سواء من خلال حركة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني أو من خلال حركة الميليشيات التابعة لإيران والتي قادت أحد قادتها، قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق العراقية، إلى جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل، إضافة إلى ما تقوم به طهران من استغلال لقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وكانت طهران قد عرضت دعم المقاتلين الفلسطينيين، عقب إعلان الولايات المتحدة الأسبوع الماضي اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وذكر الموقع الإلكتروني للحرس الثوري أن سليماني قدم هذا العرض لقائد كتائب القسام الفلسطينية، الجناح المسلح لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، في اتصال هاتفي الإثنين.

ورأى مراقبون أن هذا التطور يعني أن سيناريو تخفيف الضغط عن إيران عبر إشعال المواجهات مع إسرائيل عبر غزة مرشح للتكرار.

لكن مراقبين للشؤون الإيرانية اعتبروا أن تصاعد مواقف طهران في هذا الصدد تعود إلى إدراك إيران لجدية الموقف الدولي الشامل ضد إيران، وأن قادة النظام الإيراني يسعون للهروب إلى الأمام للمحافظة على مواقعهم في العراق وسوريا ولبنان كما دعمهم الكامل لجماعة الحوثيين في اليمن.

موقف أممي

وقد ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير إلى مجلس الأمن الدولي بحرية التنقّل التي يتمتع بها قاسم سليماني، القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق رغم حظر السفر المفروض عليه.

ويشرف سليماني وهو قائد فيلق القدس المسؤول عن العمليات الخارجية، على ميليشيات شيعية موالية لإيران في كل من سوريا والعراق. وتثير تحركاته الكثير من الجدل مع سعي إيران إلى توسيع نفوذها في المنطقة.

وقال غوتيريش -في التقرير الذي سيناقشه مجلس الأمن في 18 ديسمبر- إن سليماني “استمر في الذهاب إلى العراق وسوريا على الرغم من حظر السفر” المفروض عليه بموجب قرارات الأمم المتحدة.

من جهة ثانية، اعتبر غوتيريش مجددا أن إيران تحترم بالكامل الاتفاق الدولي الذي أبرمته في 2015 حول برنامجها النووي.

وقال: إن الاتفاق النووي هو “أفضل وسيلة لضمان الطبيعة السلمية حصرا للبرنامج النووي الإيراني”.

وقال أيضا: إن رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل شهرين الإقرار بالتزام طهران هذا الاتفاق “أرخى للأسف ظلالا من الشك” على مستقبل هذا الاتفاق.

ودون أن يتخلى رسميا عن الاتفاق رفض ترامب في 13 أكتوبر الإقرار بالتزام طهران بالاتفاق الذي تم التفاوض بشأنه لعامين بين إيران ومجموعة الدول الست (روسيا والصين وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا) وهدفه منع إيران من حيازة سلاح نووي. ويومها حذر ترامب من أن بلاده قد تنسحب “من أحد أسوا” الاتفاقات في التاريخ، تاركا مصير هذا الاتفاق في يد الكونجرس.

كما تطرّق الامين العام للمنظمة الدولية إلى قضية الصواريخ البالستية التي أطلقها المتمردون الحوثيون في اليمن على السعودية.

ربما يعجبك أيضا