“ماهان إير”.. شريان حياة لـ”الأسد” بدماء إيرانية

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

في فضيحة جديدة لنظام الملالي، أكدت لجنة تابعة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في باريس أخيرا، أن طهران تستخدم شركات طيران مدنية، لخدمة أجندتها المشبوهة في منطقة الشرق الأوسط وبالأخص في سوريا، وذلك في محاولة للتهرب من العقوبات الدولية المفروضة على أغلب كيانات الحكومة الإيرانية، وأيضا في مراوغة ماكرة تسهل حركة هذه الشركات في العديد من دول المنطقة، كونها شركات قطاع خاص فهذا لا يثير الريبة، إلا أن ما تكشفه لجنة المقاومة في دراسة مطولة بالغ الخطورة، إذ يؤكد أن هذه الشركات تستخدمها إيران لنقل عناصرها القتالية وأسلحتها إلى سوريا والعراق ولبنان.

لعل أبرز هذه الشركات بحسب دراسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، شركة “ماهان إير”، التي تأسست عام 1991 كأول شركة طيران خاصة في إيران، وبدأت خدماتها في العام التالي بأربع طائرات ركاب روسية مستعملة وسرعان ما أصبحت الشركة، المسجلة في مدينة كرمان جنوب إيران، أكبر شركة طيران في إيران تقريبا، سواء من حيث عدد الطائرات وعدد الركاب، إذ تملك الآن نحو 62 طائرة تحلق إلى 41 وجهة في 24 بلدا في ثلاث قارات، وفي المقابل تمتلك شركة الطيران الرسمية البالغة من العمر 74 عاما، 47 طائرة فقط وتستحوز على 8.5% فقط من الرحلات الدولية، فيما تشغل ماهان حوالي 15% من هذه الرحلات والباقي يذهب لصالح شركات مثل كاسبيان للطيران ومعراج، وهي أيضا تستغل من قبل الحرس الثوري في خدمة أجندة الملالي.

أدلة التورط

تكشف الدراسة أنه منذ بداية الانتفاضة السورية ضد نظام الأسد في 2011، لعبت “ماهان” دورا بارزا في  نقل عناصر الحرس الثوري وفيلق القدس إلى داخل الأراضي السورية، إلى جانب نقل المعدات العسكرية إلى النظام السوري وحزب الله في لبنان، لذا لم يكن مستغربا أن تطالها العقوبات الأمريكية في العام 2016، وأن يحاول نظام الخامنئي مرارا وتكرارا استثنائها من قائمة العقوبات من خلال تقديمها على أنها شركة خاصة، إلا أن هذا لم يحدث، إذ أصبح من الواضح للعالم كامله أنه لا وجود لما يسمى قطاع خاص في جمهورية خامنئي، فالجزء الأكبر من الاقتصاد الإيراني تحت سيطرة الحرس الثوري بامتياز، وتصب أرباحه في خزينته، لتوظف شرقا وغربا لتصدير القمع والإرهاب إلى الشرق الأوسط والعالم ككل.

وتضيف نظرا لسياسات نظام الملالي وخاصة في الربع الأخير من القرن، إيران لم يعد لديها بالفعل قطاع خاص، إذ تتولى الحكومة تسيير الشركات والمؤسسات الخاصة بشكل سري، لاستغلالها كأدوات للتهرب من العقوبات الدولية، بما يعطيها حرية في الحركة سواء على صعيد الأشخاص أو الأموال، ففي  يناير من العام الماضي دفعت إدارة أوباما فدية للإفراج عن أربعة مواطنين أمريكيين مسجونين في إيران، وكجزء من الصفقة نفسها، وافق البيت الابيض أيضا على اطلاق سراح سبعة من عناصر النظام وإسقاط تهم خطيرة عن 14 أخرين كانوا على قائمة الإنتربول، كان بينهم ثلاثة من كبار مسؤولي شركة ماهان.

تشير نتائج الدراسة إلى أن “ماهان” لا تتعاون فقط مع الحرس الثوري وفيلق القدس، بل هي مملوكة بالكامل لهذه الأجهزة، فالقيادات فيها هم من بين كبار ضباط فيلق القدس وتربطهم علاقات وثيقة مع القائد سليماني، وتؤكد العديد من الوثائق أن هذه العلاقات بدأت منذ اليوم الأول للشركة في السوق الإيراني، وقد اشتمل كل من إطلاق الشركة وتوسعها على استخدام واسع النطاق للمرافق الحكومية.

يكفي هنا أن نعرف أن الشخصية الرئاسية وراء تأسيسها كان حسين مراشي القريب من النظام وابن عم عفت مراشي زوجة علي أكبر هاشمي رفسنجاني والرئيس السابق والرجل الثاني في النظام، وهو يسيطر من خلال مؤسسته الخيرية موفالي موفداهين على نحو 100% من أسهم ماهان، كما أن تأسيس الشركة في التسعينيات تزامن تقريبا مع تشكيل قوة فليق القدس، وهذا لا يبدو مصادفة، بالنظر إلى خلفية بعض كبار المسؤولين في الشركة، فمديرها الإداري هو حامد أرابنجاد خانوكي، صديق مقرب من قاسم سليماني، وخلال الحرب بين إيران والعراق، كان قائد الكتيبة المدرعة التابعة لشعبة سرالا 41 في كرمان، وكان مسؤولا في وقت لاحق عن عمليات قوة القدس في البوسنة والهرسك.

أما مستشار حامد أربنجاد فهو حامد أسلاني، فهو نائب للمدير التنفيذي للحرس الثوري، وعمل لفترة من حياته في إدارة الموارد البشرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، وكان أيضا نائبا لمدير الموارد البشرية في شركة ماهان، ووفقا لبعض التقارير، يتم اختيار كوادر الوظائف الرئيسية في ماهان   بناء على توصية من سليماني، والذي استخدم طائرات الشركة منذ إندلاع الحرب السورية في 2011، لنقل قواته والجنود المرتزقة إلى دمشق عبر رحلات يومية تنطلق من طهران ومشهد وأصفهان وشيراز وعبدان باتجاه دمشق وبالمرور على الأجواء العراقية، وذلك بترتيب مع بعض عملاء الملالي في العراق.

الممر العراقي السوري

وأفادت تقارير عدة بأن طهران ركزت خلال الأشهر القليلة الماضية، جهودها للسيطرة على احتلال الممر البري بين العراق وسوريا بطول 400 كم متر من الشريط الحدودي، وذلك عبر عملائها مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، وفي ممر كيرفان إلى الشمال من الحدود العراقية السورية، تحاول قوات الحرس الثوري فتح ممر مباشر إلى سوريا على جانبي الحدود، عبر مليشياتها المتمركزة هناك ويعاونها بعض من كتائب الأمام علي.

إلى الداخل من سوريا يحاول “الحرس” فتح ممر مركزي، بالاستيلاء على مدن دير الزور والميادين والبوكمال، ولهذا الغرض أرسل العديد من المرتزقة الأفغان والعراقيين والباكستانيين لدعم حليفه الأساسي الأسد، وفي 14 يناير 2017، أعلن قائد الحرس الثوري أن عدد الأفغان التابعين له في سوريا، وصل إلى نحو 18 ألف مقاتل، إذ يضطر الأفغان الذين يعيشون في إيران إلى الذهاب إلى جحيم سوريا بسبب الفقر والبطالة ونقص الوثائق القانونية ومختلف الضغوط التي يمارسها النظام عليهم.

لم تكن اليمن بعيدة عن الدائرة الشيطانية للملالي، فالنظام الإيراني متواجد بالفعل على الأراضي اليمني من خلال الحوثيين، فمنذ أيام كشفت قيادة التحالف الداعم للشرعية في اليمن، أدلة جديدة تتعلق بالتكتيك الإيران لتهريب السلاح النوعي إلى “الحوثي” عبر ثلاث دول رئيسة هي لبنان وسوريا والعراق، فيما كشف وليد القديمي وكيل أول محافظة الحديدة في تصريحات لـ”الشرق الأوسط”، أن إيران تستغل ضعف الرقابة على الممرات الدولية القريبة من ميناء الحديدة اليمني، لتهريب الصواريخ الباليستية، من خلال تفكيكها وشحنها داخل حاويات قمح وأغذية، ثم تجميعها بواسطة نحو 75 خبيرا إيرانيا منتشرين في العديد من المدن داخل إقليم “تهامة”.

هذه الحقائق تكشف إلى أي مدى تورطت إيران في الصراعات الإقليمية وإزكاء نار الحرب والطائفية في بلدان المنطقة، ما يتطلب فعليا اعتماد نهج أكثر حسما مع هذا النظام المارق الذي يتحرك كما يحلو له تحديدا في عالمنا العربي، وهنا توضي دراسة مجلس المقاومة الإيرانية، بضرورة اتخاذ خطوات عملية لمنع شحن الأسلحة وقوات النظام إلى بلدان المنطقة، وفرض حظر على خطوط طيران ماهان وغيرها من شركات الطيران الإيراني، وملاحقة النظام الإيراني في المحافل الدولية عبر الاصطفاف العربي وممارسة مزيد من الضغوط لتشديد العقوبات الدولية على أدوات هذا النظام بما في ذلك القطاع المصرفي والحرس الثوري والشركات التابعة له.

ربما يعجبك أيضا