ما هي علاقة “خاشقجي” بإطلاق سراح القس الأمريكي ؟

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

إطلاق سراح القس الأمريكي آندرو برونسون لا يمكن فصله عن واقعة اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي، في ظل التوتر الأمريكي التركي الحاصل على خلفية احتجاز أنقرة للقس الامريكي، ورفض رفع الإقامة الجبرية عنه، في ظل محاولات واشنطن للضغط على النظام التركي للإفراج عنه.

بدا ذلك واضحًا في الاهتمام المبالغ فيه من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجميع المسؤوليين الأمريكيين بشأن اختفاء خاشقجي، والتي تندرج في إطار المحاولات الأمريكية للضغط على تركيا من أجل الإفراج عن القس برونسون.

سعي الولايات المتحدة لإرسال محققين للمشاركة في التحقيقات التركية بشأن واقعة اختفاء جمال خاشقجي، لم تكن سوى محاولات أمريكية للضغط على النظام التركي للإفراج عن القس الأمريكي آندرو برونسون، الذي كان موضع نزاعًا دبلوماسيًا بين واشنطن وأنقرة خلال الفترة الماضية.

وبعد شهور من محاولات أمريكية بائسة للضغط على تركيا من أجل برونسون، بدأت بتصريحات إعلامية حادة وصولًا لفرض واشنطن عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين، وتجميد حساباتهم، بجانب فرض رسوم على منتجات الصلب والألومنيوم التركي، مرورًا بفرض أنقرة هي الأخرى رسوم جمركية على المنتجات الامريكية وتهاوي الاقتصاد التركي وانهيار عملته أمام الدولار، أُطلق سراح القس الأمريكي تزامنًا مع اختفاء خاشقجي.

إطلاق سراح برونسون

في تطور مُثير لقضية القس الأمريكي آندور برونسون، أعلنت محكمة تركية بالأمس إطلاق سراحه مع رفع الإقامة الجبرية وإلغاء منعه من السفر، وفي ذات الوقت طالب المدعي العام بحبسه لمدة 10 سنوات على خلفية اتهامات ذات صلة بدعم منظمة إرهابية.

يأتي قرار إخلاء سبيل القس برونسون بعد أن شهدت جلسة المحاكمة تغيير بعض الشهود في القضية لشهادتهم، فضلًا عن تغيير المدعي العام الذي كان مسؤولًا عن التحقيق مع القس الأمريكي، وبناءً على تلك التطورات تم إخلاء سبيل برونسون، بعد انقضاء فترة حبسه لمدة 3 سنوات وشهر واحد و15 يومًا على أن يتم احتسابها من المدة التي قضاها بالسجن والإقامة الجبرية خلال محاكمته.

وبحسب مصادر مُطلعة لـ”السي إن إن” فسوف يتم نقل القس الأمريكي إلى ألمانيا لفترة وجيزة ليتم معالجته إذا كان بحاجة لذلك ، قبل أن يعود في النهاية إلى واشنطن.

وتعد قضية القس الأمريكي من أكثر القضايا المثيرة للخلاف في النزاع الدبلوماسي بين أنقرة وواشنطن، حيث اتهمته السلطات التركية بمساعدة جماعة ” فتح الله غولن” التي تتهمها أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب العسكري في عام 2016، ووضعته تحت الإقامة الجبرية منذ يوليو الماضي.

لماذا تدخلت أمريكا؟

للمرة الأولى بدت الولايات المتحدة مهتمة بشكل ملفت للنظر ي اختفاء خاشقجي، حتى إن أزمتها مع روسيا على خلفية تسميم الجاسوس الروسي في بريطانيا وتدخلها في الانتخابات الرئاسية اقتصرت على تصريحات مقتضبة من البيت الأبيض والرئيس ترامب، إلا أن قضية جمال خاشقجي دفعت جميع المسؤوليين الأمريكيين للخروج والتصريح بشأن هذه الواقعة وهو ما يؤكد ارتباط التدخل الأمريكي في هذه الواقعة، بالمطالب الأمريكية لتركيا بالإفراج عن القس الأمريكي.

وبحسب المُحللين والمراقبين، فقد بدا واضحًا أن قضية اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي على الأراضي التركية قد أسهم بشكل أو بأخر في عودة الدفء للعلاقات بين أنقرة وواشنطن، بفضل الاتصالات الأمنية على خلفية اختفاء خاشقجي بعد دخوله لسفارة بلاده في اسطنبول.

ويمكن ملاحظة تحسن العلاقات بين البلدين في إعلان السلطات التركية إخلاء سبيل القس آندرو برونسون الذي قضى في الحجز أكثر من ثلاث سنوات، في وقت يرى فيه كثيرون أن برونسون خرج بموجب مفاوضات سياسية دون الاستناد لأدلة قضائية قاطعة ببراءته، خاصة وأن الحكم حفظ ماء الوجه للجانب التركي الذي لطالما أصر على “تطبيق القانون” في وجه الضغط الأمريكي.

وسبق ذلك، تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى بالإدارة الامريكية لقناة الـ”إن بي سي” الأمريكية عن وجود اتفاق سري يمهد لعودة برونسون إلى الولايات المتحدة، مقابل رفع الضغوط الاقتصادية عن تركيا.

وتبعا لهذه التطورات تحسّنت حالة الليرة التركية واستردت بعض أنفاسها، بعد سلسلة من الانهيارات ناجمة عن توتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة.

صدام يلوح في الأفق

وربما تكون بوادر الانفراج في العلاقات التركية الأمريكية، بمثابة متنفس للأزمة المرتقبة بين أنقرة والرياض تحسبًا لمزيد من التصعيد  قد يترتب عليه مصاعب إضافية للاقتصاد التركي، وخاصة إذا وصلت الأزمة إلى درجة الصدام وسحبت السعودية استثماراتها من تركيا وقاطعتها اقتصاديا.

ومن ثم فلا يمكن النظر إلى قضية خاشقجي على أنها قضية جنائية فقط، فملابسات ها قد دقت إسفينًا بين السعودية وتركيا، فالأخيرة تحاول استغلال ماحدث على أراضيها لترتيب علاقتها مع الولايات المتحدة أو على الأقل تقلل خسائرها بعيدًا عن قضية اختفاء خاشقجي.

وبحسب الرواية التركية فهناك مسؤولون سعوديون هبطوا بطائراتهم الخاصة في تركيا كانوا وراء اختفاء خاشقجي الذي دخل قنصلية بلاده في اسطنبول ولم يخرج منها، إلا أن المعلومات الغير مُعلنة تشير إلى عدم تواجدهم في القنصلية تزامنًا مع اختفاء خاشقجي، وهو ما ينسف الرواية التركية التي تحيط بها الريبة والشك ، وإزاء تضارب التصريحات التركية قد تلوح في الأفق أزمة خانقة بين أنقرة والرياض قد تتصاعد بقطع العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.

ويرى المحللون أن الوضع بالنسبة لتركيا هو محاولة ابتزاز مالي تسعى من خلاله للخروج من أزمة اقتصادية خانقة تأثرت بها خلال الشهور الأخيرة، وهو ما بدا واضحًا في انصياع القضاء التركي للضغوط الأمريكية التي تزامنت مع الاهتمام الأمريكي الملفت بقضية خاشقجي وتهديدات ترامب للسعودية في الأونة الأخيرة لينتهي بإطلاق سراح القس برونسون الذي لطالما راوغ فيها الرئيس التركي مُتذرعًا بتطبيق القانون.

ربما يعجبك أيضا