متعهدًا بملاحقة “غولن” .. رسائل “السلطان” للداخل والخارج في ذكرى الإنقلاب

يوسف بنده

رؤية
 
شهدت تركيا يوم 15 يوليو عام 2016، محاولة انقلابية فاشلة نفذها بعض ضباط الجيش، وأسفرت عن مقتل 248 شخصا وإصابة أكثر من 7 آلاف آخرين بجروح.
 
وأسفرت الإجراءات التي نفذتها السلطات التركية عقب محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا في 15 يوليو/ تموز 2016، عن فصل أكثر من 125 ألف موظف حكومي واعتقال 160 ألف شخص، بموجب قوانين حالة الطوارئ.
 
وقد أطلق أردوغان وحكومته على جماعة الخدمة التابعة لرجل الدين المهاجر في أمريكا، فتح الله غولن، الكيان الموازي. واتهموه أنه يسعى إلى تقويض الحكومة.
 
 استغلال الذكرى
 
ما زال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعمل على استغلال ذكرى انقلاب يوليو 2016، ليقوم بجعلها فرصة للتنفس سياسيا بعد انطلاقته الجديدة كمسؤول تنفيذي ذي صلاحيات مطلقة يُحكم قبضته على البلاد.
 
فقد شهدت تركيا، أمس الأحد، العديد من الفعاليات إحياء للذكرى الثانية للمحاولة الانقلابية الفاشلة، وذلك بعد أيام قليلة من أداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليمين الدستورية لولاية جديدة يتمتع فيها بسلطات واسعة.
 
ولا تزال السلطات التركية تشن حملة قمع ضد كل من يشتبه في تورطهم في المحاولة، بما في ذلك أنصار رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالتخطيط للمحاولة.
 
وطالب حزب الشعوب الديمقراطي، الموالي للأكراد، أمس أردوغان برفع حالة الطوارئ المفروضة في تركيا منذ المحاولة الانقلابية، وأكد أنها تتسبب في قمع أحزاب المعارضة.
 
وأدى أردوغان اليمين الدستورية الإثنين الماضي، بعد نحو أسبوعين من إعادة انتخابه في انتخابات مبكرة.
 
ومع أدائه اليمين تكون تركيا قد أكملت الانتقال من النظام البرلماني إلى نظام الرئاسة ذات السلطات المطلقة.
 
ويترأس أردوغان بذلك كلا من الدولة والحكومة، بعد إلغاء منصب رئيس الحكومة. وأصبح يتمتع بسلطات واسعة، بما في ذلك على السلطة القضائية، والقدرة على الحكم بالمراسيم.
 
وأصدر أردوغان أمس سبعة مراسيم جديدة تنظم عمل مؤسسات الحكومة، وذلك كجزء من السلطات الواسعة التي كفلتها لها الرئاسة التنفيذية.
 
ووفقا لوكالة “الأناضول” التركية للأنباء فإن من بين التغييرات التي شملتها المراسيم إلحاق رئاسة الأركان التركية بوزارة الدفاع.
 
وتزامنا مع ذكرى المحاولة الانقلابية الفاشلة ولتشديد القبضة البوليسية  والامعان في الاستبداد، صدر قرارعلى 72 متهما بالسجن المؤبد لدورهم في اشتباكات على جسر معلق في اسطنبول قُتل فيها 34 شخصا أثناء محاولة انقلاب فاشلة قبل عامين.
 
ومن المنتظر صدور المزيد من الأحكام على 71 شخصا آخرين في القضية نفسها التي يواجه المتهمون فيها اتهامات بالقتل العمد لمدنيين استجابوا لدعوة الرئيس رجب طيب أردوغان بالتصدي لمدبري الانقلاب على جسر فوق مضيق البوسفور.
 
ووقعت اشتباكات على الجسر في الليلة التي شهدت محاولة الانقلاب، وتم تغيير اسمه إلى (جسر شهداء 15 يوليو).
 
كما أصدرت الحكومة التركية يوم الأحد الماضي عدة مراسيم جديدة بموجب حالة الطوارئ السارية، بفصل أكثر من 18500 من موظفي الدولة، بينهم قوات من الشرطة والجيش ومعلمين وأكاديميين.
 
وأوضحت الجريدة الرسمية أن من بين 18632 جرى فصلهم يوجد 8998 من قوات الشرطة، وذلك للاشتباه في صلتهم بمنظمات وجماعات إرهابية “تعمل ضد الأمن القومي”.
 
استغلال الانقلاب في الخارج
 
ومن أجل تسويق ذكرى الانقلاب؛ تنشط جماعات الضغط التابعة لأردوغان في الغرب لتلميع صورته، وتقديمه على أنّه منقذ تركيا ومؤسسها الجديد، والرجل القوي الذي يسانده الشعب.
 
وفي هذا السياق نشرت جمعيات تركية مؤيدة لأردوغان، في الولايات المتحدة، إعلانا مدفوعا في الصفحة الأخيرة من صحيفة واشنطن بوست، تدعو فيه لطرد كولن من الولايات المتحدة ومحاكمة أتباعه على أنهم جماعة دينية متطرفة وليسوا منظمة إسلامية.
 
ونقلت وكالة الأناضول التركية الرسمية للأنباء في خبر لها بعنوان “واشنطن بوست تفرد صفحة كاملة للتحذير من خطر منظمة كولن الإرهابية” ذكرت فيه أن خطوة الـ”واشنطن بوست” هذه جاءت بناءً على طلب اللجنة التوجيهية التركية الأميركية (غير حكومية)، التي تضم نحو 150 منظمة مدنية تحت مظلتها.
 
وقالت الأناضول إن الصحيفة “وجهت نداءً إلى الأميريكيين، للضغط على إدارة البلاد، من أجل تسليم كولن إلى السلطات التركية”.
 
وفي خبر منفصل لها عن أنشطة حركة كولن التي تصفها بالإرهابية نشرت وكالة الأناضول إشاعات عن أنشطة محتملة لجماعة كولن في ألمانيا وفي الولايات المتحدة الأميركية.
 
وقالت إنه بعد مرور عامين على المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، تواصل منظمة “كولن”، جهودها لجعل ألمانيا مركزاً آمناً يلجأ إليها أتباعها الفارين من تركيا.
 
ومن أبرز أتباع منظمة “كولن” ممن اختاروا ألمانيا كملجأ لهم، عبد الله أيماز، ومحمد علي شنغول، اللذان يُعتقد بأنهما إحدى أبرز الشخصيات رفيعة المستوى في صفوف المنظمة.
 
ويتداول الإعلام الألماني، أخباراً عديدة حول توفير شبكة “غولن” المتشكلة في البلاد، الأمن والحماية لأكثر من 14 ألف من أتباعها الهاربين من تركيا عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة.
 
وبحسب معطيات وزارة الداخلية الألمانية، تقدم 296 مواطن تركي ممن يحملون جوازات سفر دبلوماسية، و881 شخص من حاملي جوازات سفر رسمية، بطلب لجوء إلى دائرة الهجرة واللجوء الفيدرالية، وذلك منذ المحاولة الانقلابية وحتى يونيو الماضي.
 
وأشارت الأناضول إلى أن الإدارات المحلية والحكومة الفيدرالية الألمانية قدمت المساعدات والتسهيلات، لأتباع كولن لممارسة أنشطتهم.
 
كما اتهمت المنظمة بأنها خصصت بعض أتباعها في ألمانيا، للظهور على الإعلام هناك، لتحسين صورتها والترويج لها في الأوساط الألمانية، وقالت إنها “دفعت الملايين من اليورو لشركات العلاقات العامة في سبيل تحقيق هذا الهدف”.
 
وهذا ممّا يظهر أن حكومة أردوغان تقوم به من جهة تقديم تحفيزات وأموال لشركات العلاقات العامة من أجل تلميع صورة الرئيس أردوغان.
 
ونقلت الأناضول في هذا الإطار خبراً اتهمت فيه أن  معهد “ريسبيكت”، التابع لمنظمة كولن يقوم بتأهيل “أئمة”، بالتعاون مع مدرسة “مورافيان اللاهوتية، التابعة لواحدة من أقدم الكنائس الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية.
 
 
وقالت إن أحدث تعاون بينهما تمثل في تنظيم برنامج مشترك ضمن “الحوار بين المسلمين والمسيحيين”، بعنوان “الجنس والعقيدة والاحترام: علاقات الجنسين في الوقت الحاضر”، بين 11 أبريل و9 مايو الماضي.
 
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الأحد، إن تركيا نجحت في جلب أكثر من 100 من قيادات منظمة “كولن” خلال العامين الأخيرين.
 
تعاون أمريكي
 
وقالت “الأناضول” إن جاويش أوغلو ثمّن فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) الأميركي، تحقيقا حول منظمة “كولن” ، مستدركا: “لكننا نريد أن تكون هذه التحقيقات قطعية وتأتي بنتائج”.
 
وأوضح أن تركيا نقلت هذا المطلب إلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وتواصل متابعة التحقيقات.
 
ولفت إلى أن تركيا شكّلت 3 مجموعات عمل مع الولايات المتحدة، مبينا أن مجموعة العمل المتعلقة بالشؤون القنصلية والقانونية التي تضم أيضا منظمة “كولن” اجتمعت بأنقرة الجمعة الماضي.
 
وأكد أن تركيا نقلت بوضوح للولايات المتحدة في هذا الاجتماع ضرورة عدم إلهاء أنقرة (حول إعادة فتح الله غولن)، وأن الأدلة التي قدمت لواشنطن في هذا الإطار أدلة حقيقية، تكفي لإعادة زعيم المنظمة إلى تركيا بما يتوافق مع القوانين الدولية والاتفاقيات الثنائية.
 
شكر الحلفاء
 
وقد عبر سفير تركيا في موسكو، حسين ديريوز، عن امتنان بلاده لروسيا، لدعمها الحكومة التركية خلال محاولة الانقلاب العسكري الفاشل قبل عامين.
 
وقال السفير، أن بلاده تشكر روسيا لأنها كانت من أوائل الدول التي دعمت الحكومة الشرعية التركية، وأدانت التصرفات غير القانونية للانقلابيين.
 
وفي سياق متصل قدم سفير تركيا في طهران رضا حاكان تكين، شكره وتقديره للإدارة الإيرانية على “موقفها السريع والثابت تجاه محاولة الانقلاب منذ البداية”.
 
وأشار السفير إلى أن إيران لها أهمية كبيرة بالنسبة لدولة تركيا بصفتها جارا لها، وأكد في الوقت نفسه على أن “إيران لم تسمح في أي وقت لفعاليات حركة الخدمة في أراضيها”.
 
ووصف السفير تكين العلاقات التركية الإيرانية الاقتصادية بأنها واسعة، وذكّر أن هناك تعاونًا وعملا مشتركا بين البلدين في كثير من المجالات مثل الدفاع والأمن وغيرها.

ربما يعجبك أيضا