حصاد 2022| كيف أججت تايوان صراع أمريكا والصين؟ وما التوقعات؟

رنا أسامة

مثلت تايوان بؤرة ساخنة للصراع بين الولايات المتحدة والصين خلال 2022، وسط تحذيرات ومخاوف من نزاع عسكري محتمل قد ينطوي على مخاطر نووية.


وضعت جزيرة تايوان أكبر اقتصادين بالعالم، الولايات المتحدة والصين، على حافة مواجهة عسكرية مباشرة خلال عام 2022.

وجاء ذلك وسط تحذيرات أمريكية من تسريع الصين خطى الاستيلاء على الجزيرة، التي تعدها بكين جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، متوعدة باستعادتها، ولو بالقوة، في حين كثفت تكتيكات ما يعرف بـ”المنطقة الرمادية” للضغط على تايوان.

خط أحمر صيني.. وتوعد تايواني

أشعل فتيل الصراع بين واشنطن وبكين بشأن تايوان، زيارةٌ للجزيرة أجرتها رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي، في أغسطس 2022، أعقبتها مناورات صينية بحرية وجوية غير مسبوقة قرب العمق الاستراتيجي التايواني، تنديدًا بما رأته بكين دعمًا أمريكيًّا لـ”استقلال” تايوان بحكم الأمر الواقع.

وعدت تايوان المناورات الصينية “حصارًا”، في حين وصفتها الولايات المتحدة بـ”غير المسؤولة”. وردًّا على ذلك، أطلقت تايبيه أعيرة تحذيرية للمرة الأولى لإبعاد مسيرة تابعة لبكين، في حين أمرت الرئيسة التايوانية باتخاذ إجراءات قوية ضد ما سمته “استفزازات” من طرف حكومة بكين.

مناورات صينية قرب تايوان

«ورقة بيضاء» صينية بشأن تايوان

في خضم التوترات حول مضيق تايوان، أصدرت بكين، بالاشتراك بين مكتب شؤون تايوان والمكتب الإعلامي، وكلاهما يقع تحت إشراف مجلس الدولة الصيني، “ورقة بيضاء” تتناول الوضع في تايبيه، معنونة بـ”مسألة تايوان وإعادة توحيد الصين في العصر الجديد”.

وعلى الرغم من أن الورقة لم تحمل جديدًا، في ما يتعلق بالموقف الصيني تجاه الجزيرة، فإنها قد انطوت على رسائل داخلية عديدة، أبرزها أن الصين لن تتراجع أمام أي تدخل خارجي، ولن تتساهل مع انتهاك سيادتها أو أمنها أو مصالحها التنموية.

«الغموض الاستراتيجي» الأمريكي

في حين أن الولايات المتحدة، كما معظم دول العالم، ليس لديها علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان، فإنها تسير على حبل دبلوماسي مشدود، باحتفاظها بعلاقات غير رسمية واسعة مع الجزيرة، تتضمن بيعها أسلحة دفاعية في إطار صفقات عسكرية، بلغت قيمة الأخيرة منها 1.1 مليار دولار، في سبتمبر 2022.

ولطالما تمسكت الولايات المتحدة بسياسة “الغموض الاستراتيجي“، ولم توضح ما إذا كانت سترد عسكريًّا على أي هجوم على الجزيرة. ومع ذلك، قال بايدن، في سبتمبر 2022، إن القوات الأمريكية ستدافع عن تايوان حال وقوع غزو صيني، في أقوى تصريح له على الإطلاق بهذا الخصوص.

الصين والولايات المتحدة scaled

إشارات خاطئة.. وحل سلمي

على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في سبتمبر 2022، قال وزير الخارجية الصيني، وانج يي، لنظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن واشنطن تبعث بـ”إشارات خاطئة وخطيرة للغاية” بشأن تايوان، محاولة تقويض سيادة بكين، بما يقلل من احتمالات التوصل إلى تسوية سلمية.

وفي المقابل، قال بلينكن، في مقابلة نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 6 ديسمبر 2022، إن الولايات المتحدة لديها مصلحة كبرى في تحقيق الأمن والاستقرار عبر مضيق تايوان، متوقعًا حل خلافات بكين وتايبيه “سلميًّا”.

مقابلة أنتوني بلينكن مع صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية

مقابلة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية

مواجهة أمريكية- صينية مباشرة

أي حرب على تايوان، المنتج الرئيس عالميًّا للرقائق الإلكترونية، من شأنها أن تحطم الاقتصاد العالمي. وحسب وكالة أنباء “رويترز“، فإن النزاع بشأن تايوان قد يجر الولايات المتحدة وحلفاءها إلى أول مواجهة عسكرية مباشرة مع قوة عظمى مسلحة نوويًّا.

ولطالما قالت الصين إنها تنظر إلى تايوان على أساس أنها القضية الأهم والأكثر حساسية في علاقتها مع الولايات المتحدة، تلك الرسالة التي شدد عليها الرئيس شي جين بينج، خلال لقائه نظيره الأمريكي على هامش قمة الـ20 بمدينة بالي الإندونيسية، في نوفمبر 2022.

ما المتوقع في 2023؟

في ظل التصعيد الحالي بين واشنطن وبكين بشأن تايوان، توقعت “رويترز” أن تستمر المشاعر المعادية للصين في الولايات المتحدة الأمريكية، تحديدًا داخل أروقة مجلس النواب، الذي سيطر عليه الجمهوريون حديثًا، جنبًا إلى جنب مع دعم تايوان في 2023.

وإذا سار رئيس مجلس النواب المحتمل، كيفن مكارثي، على خطى بيلوسي، وزار الجزيرة، فقد يفضي ذلك إلى تصعيد جديد عبر المضيق، بين واشنطن وبكين. وقال مسؤول تايواني، في أكتوبر الماضي، إن بكين قد تجبر تايبيه على قبول شروطها للتوحيد، في وقت مبكر من 2023، بحسب ما نقلته إذاعة “صوت أمريكا“.

الصين وتايوان وأمريكا

قطيعة دبلوماسية أو استيلاء بالقوة

في تباين لتقييمات المحللين لنية الرئيس الصيني في هذا الصدد، استبعد الأستاذ بجامعة تامكانج التايوانية، تشانج وو- ين، “توحيد الصين” خلال السنوات الـ5 المقبلة، ورأى أن “التكلفة ستكون باهظة”. وقال لـ”صوت أمريكا” إن بكين تخطط للتوحيد في موعد لا يتجاوز 2049.

أما فيكتور جاو، وهو عالم مقيم في بكين، فأشار إلى أن شي ليس لديه جدول زمني محدد، ويمكنه “الانتظار ألف عام” لتحقيق ذلك، ولكن إجراءات مثل مشروع قانون “سياسة تايوان” الأمريكي، من شأنها أن تفضي إما إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، أو الاستيلاء عنوة على تايوان.

الكرة في ملعب واشنطن

أضاف جاو، وهو نائب مؤسسة “مركز الصين والعولمة” البحثية، ومقرها ببكين: “الكرة الآن في ملعب واشنطن. إذا لم تروج لاستقلال تايوان، وإذا لم تضغط (رئيسة تايوان) تساي إنج ون من أجل الاستقلال، قد يستمر الوضع الراهن لألف عام”، وفق ما نقلت إذاعة “صوت أمريكا”.

ولكن جاو قال إن الولايات المتحدة إذا اتخذت إجراءات تنتهك سياسة “صين واحدة”، ستنشب حرب تدمر كلا الجانبين، محذرًا من استخدام الصين أسلحة نووية، في وقت توعد فيه شي باتخاذ “الإجراءات الضرورية” اللازمة للدفاع عن سياسته. وأضاف: “في العصر النووي، إذا حاولت دولة مهاجمة أخرى، سيحدث دمار متبادل محقق لكلا الجانبين”.

رئيسة تايوان

رئيسة تايوان

مخاوف تايوانية من «سيناريو أوكرانيا»

في مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية، أبدت رئيسة تايوان، تساي ونج إن، قلقها من تكرار سيناريو الحرب الروسية الأوكرانية في تايوان. وقالت ونج، التي دخلت عامها الرئاسي السادس: “قد نشهد هذا الأمر (الحرب)، لذلك فإننا بحاجة إلى التأهب”، مضيفة: “نواجه تهديدًا حقيقيًّا، إنه ليس دعاية”.

وفي حال نشبت حرب، توقعت ونج أن تكون “غير متوازنة” إلى حد بعيد، مشيرة إلى أن الهيئة التشريعية التايوانية ضاعفت الميزانية الدفاعية، لإنفاق أكثر من 19 مليار دولار على شؤون الدفاع في عام 2023، في حين تنفق الصين أكثر من 200 مليار دولار سنويًّا على تحديث منظومتها العسكرية.

ربما يعجبك أيضا