بعد قمة بايدن كيشيدا.. لماذا تدعم الولايات المتحدة تسليح اليابان؟

محمد النحاس

تاريخيًّا، ألتزمت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية بأن تكون دولة سلمية، وينص دستورها على ذلك، لكن هذا النهج بدأ في التغير في ظل متغيرات جيوسياسية معقدة، فما هذه المتغيرات؟


عقدت الولايات المتحدة واليابان قمة مشتركة في العاصمة الأمريكية، واشنطن، في ظل جنوح ياباني متواصل تجاه التسليح.

وجاءت القمة، التي جمعت رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، والرئيس الأمريكي، جو بايدن، يوم الجمعة 13 يناير 2022، بعد يومين من اجتماع وزراء الدفاع والخارجية للبلدين، تعهدوا خلاله بتعزيز التعاون العسكري.

تعزيز التعاون الأمني

خلال القمة، التي جمعت الزعيمين الأمريكي والياباني، بالبيت الأبيض، تعهد بايدن وكيشيدا بـ”تعزيز التحالف الأمني بين البلدين”، حتى تصبح اليابان “قوة عسكرية تحقق توازن مع الصين”، التي تراها طوكيو وواشنطن “تهديدًا استراتيجيًّا”.

وحسب ما ذكره تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، شدد بيان مشترك، في ختام الاجتماع، على أن التحالف الأمريكي الياباني يمثل “ركيزة أساسية لحماية الأمن في منطقة المحيطين الهادئ والهندي”.

np file 160427

تعتبر واشنطن وطوكيو، الصين تهديدًا استراتيجيًّا

شجب التغيير عن طريق القوة

شدد الزعيمان على التزامهما بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، ورفض تغيير أي وضع قائم في العالم عن طريق القوة، في إشارة ربما إلى تايوان وأوكرانيا، وأبديا عزمهما مواصلة فرض عقوبات على روسيا.

وجاء هذا اللقاء، ضمن جولة خارجية يجريها رئيس الوزراء الياباني لدول مجموعة الـ7، التي تترأسها اليابان هذا العام، في ظل مناخ سياسي متوتر داخل اليابان، بعد فضائح تلاها استقالات في حكومة كيشيدا.

13dc prexy 2 vzgm jumbo 1

تدعم الولايات المتحدة سياسة اليابان العسكرية الجديدة

بيئة معقدة وتحديات مشتركة

جدد جو بايدن التزام الولايات المتحدة الدفاع عن اليابان، عبر كل القدرات، بما فيها النووية، وفق تقرير الصحيفة الأمريكية. وقال رئيس الوزاء الياباني إن واشنطن وطوكيو تواجهان في الوقت الحالي “بيئة معقدة وصعبة”. وشجب الزعيمان خلال القمة الحرب الروسية الأوكرانية.

7f61e070d7424a33858880d058d400f9

قالت واشنطن إنها مستعدة للدفاع عن اليابان

وتأتي هذه القمة في وقت تشهد في منطقة الباسفيك الآسيوي، تنافسًا محتدمًا بين الصين وبين دول آسيوية قريبة من الولايات المتحدة، وتحاول واشنطن تعزيز الشراكات الأمنية والعسكرية مع عواصم آسيوية، لإلجام الصعود الصيني.

عسكرة الهندوباسيفيك

تعقد واشنطن تحالف القوى الرباعية (كواد) مع اليابان وأستراليا والهند، وتحالف “أوكوس” الذي يشمل أستراليا وبريطانيا، وعلى مدار العامين الماضيين، زادت الولايات المتحدة نشاطها العسكري بمنطقة الباسفيك، التي تحاول من خلالها إرسال رسالة إلى بكين مفادها أن المنطقة “ليست نفوذًا خالصًا لها”.

وترى الصين هذه التحركات تمثل تهديدًا للأمن بالمنطقة، التي تشمل أهم معابر التجارة العالمية، وتقول واشنطن إنها تهدف لتعزيز حرية الحركة والملاحة، لكن يبدو أن التحركات الأخيرة تأتي كمحاولة لتطويق الصين، والتصريحات الرسمية من جانب الولايات المتحدة وحلفائها لا تقول ما يعارض ذلك، وترى الصين “أكبر تحد استراتيجي بالمنطقة”.

south china sea watch f18d837a 01b7 11eb b32f 32d5f7e2c720

جنحت المنطقة على مدار العامين الماضيين لمزيد من “العسكرة”

تحول تاريخي

تأتي زيارة كيشيدا إلى واشنطن برهانًا على جدية اليابان في ما أعلنته من استراتيجتها للأمن القومي، الشهر الماضي، التي ابتعدت بموجبها عن النهج السلمي، الذي التزمته منذ الحرب العالمية الثانية، في تحول وصف بـ”التاريخي”، وأعلنت عزمها حيازة أسلحة هجومية، وقال رئيس الوزراء، خلال القمة المشتركة، إن هذه الاستراتيجية تأتي لتعزيز الأمن بالمنطقة.

وبموجب استراتيجية الأمن القومي الياباني ستزيد ميزانية التسليح بواقع 2%، لتكون في المرتبة الثالثة في أكبر ميزانيات الدفاع بعد الولايات المتحدة والصين، التي ذكرتها طوكيو صراحةً على أنها “تهديدًا استراتيجيًّا للأمن القومي الياباني”، رافضةً سلوك بكين في المنطقة.

japan rearmed1 e1554546690198

تمثل استراتيجية الأمن القومي الجديدة تحولاً تاريخيًّا

تعاون متعدد الجوانب

علاوةً على القضايا الأمنية والعسكرية، والتحديات الجيوسياسية، ناقش بايدن وكيشيدا سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، والتحديات أمام توفير سلاسل إمداد عالمية آمنة، وكذلك في المجالات السيبرانية والرقمنة والفضاء.

وتأتي سياسية الرئيس الأمريكي على النقيض من سياسة سلفه، دونالد ترامب، الذي انتهج “سياسة أمريكا أولًا”، وركز على الداخل الأمريكي، مبتعدًا عن الحلفاء في آسيا وأوروبا. لكن بايدن اتسمت سياسته الخارجية، بتعزيز الشراكات على المستويات كافة، ودعم الحلفاء، خاصةً مع تنامي الصين، وبعد الحرب الروسية الأوكرانية، ما تقره الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي.

توتر متزايد

شجبت الصين، من جهتها، مخرجات القمة الأمريكية اليابانية، وقالت إن أي تحالف لا بد ألا يكون على حساب أحد الأطراف الأخرى، وكثفت بكين، على مدار الأشهر الماضية، مناوراتها العسكرية ببحري الصين الشرقي والجنوبي.

99e1f67a c784 11e8 9907 be608544c5a1 image hires 164722

شهدت منطقة الباسفيك العام الماضي عشرات المناورات العسكرية.

وتقول بكين إن تايوان جزء من أراضي الجمهورية الشعبية، وتبدي عزمها ضمها ولا تستبعد الحل العسكري، وأجرت مناورات، الشهر الماضي، كذلك بالقرب من جزر متنازع عليها مع اليابان، في حين قالت طوكيو إن هذه التحركات تمثل تهديدًا للأمن الياباني.

والتوترات بالمنطقة ليست بعيدة عن شبه الجزيرة الكورية، وكان العام الماضي الأكثر إطلاقًا للصواريخ في بوينج يانج، وكذلك، اخترقت 5 طائرات مسيرة شمالية حدود الجارة الجنوبية، ووصلت للعاصمة سيول، في حين رفعت كوريا الجنوبية جاهزية دفاعتها، ونشرت قوات لمراقبة الحدود.

عقلية الحرب الباردة

China MIssile South China Sea

زادات بكين على نحو لافت معدل المناورات البحرية

يبدو إذن المشهد بمنطقة “الإندوباسفيك” شديد التوتر وعلى الرغم من أن خبراء يرجحون أنه لا صدام قريب، إلا أنه يبدو أقرب من أي وقت مضى، كما أن التصريحات بين الأطراف المتنازعة باتت على مستوى من التوتر غير مسبوق، وتُذكّر بتصريحات الحرب الباردة.

وتشدد بكين على أن واشنطن تفكر بعقلية “ما بعد الحرب العالمية الثانية” وفي غير مناسبة أبدت بكين وموسكو عزمهما خلق نظام عالمي متعدد الفواعل، وإنهاء القطبية الأحادية (في إشارة لهيمنة الولايات المتحدة)، وجمعت قمة افتراضية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والزعيم الصيني شي جين بينج، إبان العام الجديد، اتفقا خلالها على تعزيز الشراكة وتكثيف التعاون “في مواجهة التحديات الغربية”.

ربما يعجبك أيضا