التمثيل الدبلوماسي.. بداية لإحياء العلاقات الأمريكية السودانية

كتب – حسام عيد

عبر رفع التمثيل الدبلوماسي لدرجة سفير، تعود العلاقات الأمريكية السودانية، حيث أنهى رئيس الحكومة بالمجلس السيادي الذي يقود السودان خلال المرحلة الانتقالية، عبدالله حمدوك، قطيعة دامت لـ23 عامًا، بترشيحه “نور الدين ساتي” سفيرًا للخرطوم لدى واشنطن، وموافقة الحكومة الأمريكية على ذلك الترشيح يوم الإثنين الموافق 4 مايو 2020.

الدكتور نور الدين ساتي؛ سفير فوق العادة ومفوض هو الأول لجمهورية السودان، لدى الولايات المتحدة الأمريكية، منذ العام 1998.

ويبدو أن الحكومة الأمريكية في رغبتها المتنامية منذ سقوط نظام عمر البشير، بإحياء العلاقات مع السودان وإعادتها لطبيعتها الأولى، استندت إلى 6 ركائز؛ قيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك العملية الانتقالية الحالية بنجاح عبر إدخاله تغييرات سياسية على القائمين بالحكم بما يصحح ما تسبب فيه النظام السابق، وإظهاره التزامًا بالمفاوضات مع الجماعات المسلحة، وإنشاء لجنة تحقيق في أعمال العنف التي جرت في الفترة الأخيرة، إضافة إلى الالتزام بإجراء انتخابات ديمقراطية خلال الفترة البالغة 39 شهرًا.

من هو “ساتي”؟

والدكتور نور الدين ساتي دبلوماسي مخضرم عمل سفيراً للسودان في باريس مطلع التسعينيات ومن ثم تقاعد والتحق بالأمم المتحدة فعمل في بعثاتها لحفظ السلام في كل من الكونغو الديمقراطية ورواندا.

ويعد السفير ساتي من أهل الفكر والثقافة، ويمتلك علاقات وصداقات واسعة، حيث يعد عالم الأنثربولجي الفرنسي بروفسير رتشارد لوبان أحد أصدقائه.

كما أصدر الدكتور نور الدين ساتي، السفير المتقاعد بوزارة الخارجية، والموظف الدولي السابق بمنظمة اليونسكو، وأستاذ اللغة والأدب الفرنسي الأسبق بجامعة الخرطوم، والذي شغل أيضاً في وقت لاحق منصب الأمين العام للمكتبة الوطنية السودانية، أصدر عددًا من المطبوعات من بينها في أواخر عام 2013م ، كتاباً بعنوان: ( عجز القادرين: تأملات في الحالة السودانية ).

أسباب قطع العلاقات وعودتها

منذ العام 1993 تضع واشنطن الخرطوم على قائمتها للدول الراعية للإرهاب بسبب “علاقتها بتنظيمات إرهابية” بينها تنظيم القاعدة الذي أقام زعيمه السابق أسامة بن لادن في السودان في الفترة من عام 1992 إلى 1996.

وفي العام 1998 طردت واشنطن السفير السوداني لديها وخفضت التمثيل إلى قائم بالأعمال.

ومنذ الإطاحة بعمر البشير في أبريل 2019، تسعى السلطات الجديدة في الخرطوم إلى تطبيع العلاقات مع واشنطن وإلى رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب التي تمنع البلاد من الاستفادة من أي مساعدات يقدمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وفي هذا السياق، وقّعت الحكومة السودانية مطلع أبريل 2020 اتفاق تسوية مع أسر ضحايا المدمرة الأمريكية “يو. إس. كول” التي تم تفجيرها قبالة ميناء عدن عام 2000 ما أسفر عن مقتل 17 من بحارتها.

وكانت واشنطن اتهمت الخرطوم بالضلوع في التفجير وهو ما ينفيه السودان على الدوام.

في ديسمبر 2019؛ إبان زيارة عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني لواشنطن، أُعلن عن ترفيع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لمرتبة السفراء، بعد أن كان يقتصر على قائم بالأعمال منذ عام 1996، بعد تدهور العلاقة بين البلدين على عهد الرئيس المعزول عمر البشير.

حتى رشح “حمدوك”، الدكتور نور الدين ساتي ممثلًا دبلوماسيًا رفيعًا بدرجة سفير للخرطوم لدى واشنطن، وجاء الترحيب سريعًا بالموافقة من قبل الحكومة الأمريكية.

وسبق أن أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على أهمية رفع التمثيل الدبلوماسي كخطوة مهمة في مسار تعزيز العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن، في ظل حكومة انتقالية في السودان بقيادة مدنية، وتعمل على تطبيق إصلاحات، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ستظل شريكًا ثابتًا للشعب السوداني وتوقه ومثابرته لتحقيق السلام والأمن والازدهار والديمقراطية والمساواة.

وبدورها، قالت وزارة الخارجية السودانية، في بيان لها، إن الموافقة على اختيار ساتي جاءت في إطار تطبيع العلاقات الدبلوماسية السودانية الأمريكية، ورفعها إلى مستوى السفراء، بعد أن كانت منحصرة على مستوى القائمين بالأعمال لأكثر من ربع قرن من الزمان، بسبب سياسات النظام السابق.

وأكدت الوزارة “استمرارها في العمل الجاد على تحقيق أهداف الثورة واستعادة مكانة السودان الدولية، لكي يلعب دوره المأمول، بعزة وكبرياء، في تبادل المصالح مع الدول الصديقة والشقيقة لخدمة قضايا الحرية والكرامة والمساواة والرفاه والعدالة”.

فتور وتوتر وعقوبات اقتصادية

وشهدت العلاقات بين البلدين فتورًا خلال فترة الحكم الديمقراطي في السودان بعد عام 1985، إذ خفضت البعثة الدبلوماسية الأمريكية كادرها في الخرطوم، وتدهورت العلاقات بشكل مطرد في أبريل 1986 عندما قصفت الولايات المتحدة طرابلس الغرب، واغتيال أحد موظفي السفارة الأمريكية في الخرطوم في أعقاب ذلك، الأمر الذي قاد إلى سحب الولايات المتحدة معظم موظفيها غير الأساسيين من السفارة لنحو ستة أشهر.

وفي أعقاب الانقلاب العسكري الذي قادة عمر البشير بالتعاون مع الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي في عام 1989، علقت الولايات المتحدة مجمل مساعداتها للسودان.

وزاد تدهور العلاقات مطلع التسعينيات إثر دعم السودان لجماعات إسلامية متشددة وإعلان وقوفه مع العراق في غزوه للكويت ومعارضته للدعم والمساندة الأمريكية لدول المنطقة وقضاياها.

وفي عام 1993 صنفت الولايات المتحدة السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب وظل اسم السودان على هذه القائمة الأمريكية حتى يومنا هذا.

وجاء هذا التصنيف بعدما فتح البشير أراضي السودان للجماعات المتطرفة ورعاية حكومته للأنشطة الإرهابية، إلى أن جاء بن لادن إلى السودان في 1991 بغطاء رجل الأعمال والمستثمر، لكنه بطبيعة الحال كان مقرباً من الجماعة الإسلامية التي تحكم البلاد والتي تتبنى شعارات جهادية ضد الغرب ودول الجوار التي تتوافق معه، ونتيجة لذلك جمعت بن لادن لقاءات عديدة في العلن والسر بقادة الجماعة، أمثال عمر البشير وحسن الترابي.

وعلقت واشنطن لاحقًا عمل سفارتها في الخرطوم في عام 1996.

وفي عام 1997، أصدر الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، أمرًا تنفيذيًا بفرض عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية شاملة على السودان أثرت كثيرًا على الاقتصاد والبيئة الاستثمارية في السودان.

وفي أغسطس 1998 1998 هاجمت صواريخ كروز موجهة من سفن حربية أمريكية متمركزة في البحر الأحمر مصنعا في الخرطوم للاعتقاد بأنه أحد استثمارات أسامة بن لادن.

ومنذ ذلك الوقت قلصت الولايات المتحدة الأمريكية التمثيل الدبلوماسي الأمريكي، وأبقته على مستوى القائم بالأعمال.

وفي 2013 رفضت السفارة الأمريكية في الخرطوم منح الرئيس السابق عمر البشير تأشيرة دخول لأراضيها ومطالبته بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية.

رفع العقوبات وتوطيد العلاقات الدبلوماسية

وفي مطلع مارس 2020 قررت وزارة الخارجية الأمريكية إنهاء كافة العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، في خطوة من شأنها أن تعطي دفعة للاقتصاد السوداني.

وأعلن محافظ بنك السودان المركزي، بدر الدين عبدالرحيم إبراهيم، أنه لم يتبق ضمن العقوبات سوي بعض الأفراد والمؤسسات المرتبطين بالأحداث في دارفور.

ويشير الخطاب إلى أن ذلك ليس له أي علاقة بمسألة التحويلات البنكية، هذا فضلا عن ثلاثة روابط تشير إلى انتهاء العقوبات عن 157 مؤسسة سودانية بتاريخ 12 أكتوبر2017.

ويأمل السودان اليوم أن ترفع الولايات المتحدة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب قريبًا، بيد أن مثل هذا الإجراء يحتاج إلى موافقة الكونجرس الأمريكي.

تطهير وإصلاحات مستمرة

وأكد عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء السوداني، الاستمرار في العمل الجاد لتحقيق أهداف الثورة واستعادة مكانة السودان الدولية مرة أخرى بعد أن كبلها البشير ونظامه البائد.

وأشار إلى أنه من المقرر بعد استعادة العلاقات الخارجية للسودان، يتم تبادل المصالح مع الدول الصديقة والشقيقة لخدمة الشعب السوداني.

ويأمل السودان اليوم أن تلي خطوة رفع التمثيل الدبلوماسي خطوة أخرى بشطب واشنطن اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي يوجد فيها من العام 1993 والتي تقول إنها تؤثر على السودان وتمنعه من الحصول على قروض ومنح من الصناديق والمؤسسات الدولية.

ربما يعجبك أيضا