هل تستطيع ألمانيا ضبط سياسات تركيا شرق البحر المتوسط؟

جاسم محمد
رؤية ـ جاسم محمد
تعاني دول أوروبا، كثيرا من سياسات تركيا في منطقة الشرق الأوسط، وتعتبرها تهديدا لأمنها القومي. وتصاعدت أنشطة تركيا في شرق المتوسط مع تفاقم الأزمة الليبية في عمليات نقل الأسلحة عبر المتوسط وكذلك في مجالات تنقيب تركيا عن الغاز والنفط..
وتسعى تركيا لتوسيع سيطرتها على المياه الإقليمية الغنية بالغاز وهذا يعتبر انتهاكا للقانون الدولي. ونتيجة لذلك، أصبحت أزمات منطقة الشرق الأوسط مشكلات أوروبية، مع ارتباك مواقف الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا في كبح  طموحات أردوغان.
 ويتهم الاتحاد الأوروبي تركيا مسؤولية تدهور العلاقات بين الجانبين بسبب انتهاكها لسيادة قبرص واليونان، وانتهاكها حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، وبسبب مساهمتها إلى جانب روسيا في استنساخ “السيناريو السوري”.
إن سلوك تركيا في شرق البحر المتوسط وانتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد يثير قلق ألمانيا والاتحاد الأوروبي الذي يلوح باللجوء لخيارات ترغم أنقرة على التقيد بالتزاماته. 

كانت تركيا واليونان على وشك الدخول في صدام عسكري يوم 20 يوليو 2020 وفقا إلى صحيفة “بيلد” الألمانية وإن البوارج كانت في طريقها (للمعركة)، والطائرات الحربية كانت تحلق في الجو، قبل أن يأتي الإنقاذ من ألمانيا”. وبحسب معلومات “بيلد”، اتصلت المستشارة أنغيلا ميركل بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أن يحدث تصعيد. 

تركيا وأنشطة تنقيب غير قانونية

أعلنت وزارة الخارجية التركية، في الأول من يناير2020 وفقا لـ”مونت كارلو”  أن السفينة “يافوز” وصلت إلى المياه القبرصية في جنوب الجزيرة حيث ستقوم بعمليات تنقيب، وقالت في بيان لها إن “القبارصة الأتراك لديهم حقوق في هذا الحقل… بقدر القبارصة اليونانيين.

وسيتقاسم الطرفان المداخيل إذا تم اكتشاف وجود نفط أو غاز طبيعي”.من جهتها، اتّهمت قبرص تركيا بأنها “تحوّلت إلى دولة قرصنة في شرق البحر المتوسط”، وفق بيان رئاسي. وجاء في البيان أن “تركيا تواصل سلوكها طريق انعدام الشرعية الدولية”.

وأكدت تركيا فى 15نوفمبر 2019، أن سفينة “الفاتح”، بدأت عمليات التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص، وذلك رغم التحذير الذي وجهه الاتحاد الأوروبي لأنقرة.
يذكر أن تركيا  وقعت خلال شهر نوفمبر 2019 على اتفاق بشأن تعيين مناطق الولاية البحرية في البحر الأبيض المتوسط مع حكومة الوفاق الوطني.
وهذا ما زاد مخاوف اليونان وقبرص ودول الاتحاد الأوروبي والتي تعارض أنشطة تركيا بالحفر في المياه الإقليمية إلى قبرص. ويقول وزير الخارجية التركي مولود تشافوشوغلو إن الصفقة توفر لأنقرة، حماية مصالحها في الجرف القاري.

وأكد وزير الطاقة التركي فاتح دونماز يوم 27 مايو 2020 إن بلاده تخطط لبدء عمليات التنقيب عن النفط داخل الحدود البحرية، التي تم تحديدها بموجب اتفاق مثير للجدل مع الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر .

الموقف الألماني

 تعاني المستشارة الألمانية ميركل من مشاكسات أردوغان إلى حد أنها أصبحت تمثل وجع رأس وصداع مزمن للحكومة الألمانية.

ووصفت المستشارة الألمانية خطوة التنقيب عن النفط والغاز قبالة قبرص وجزيرة كريت اليونانية بـ”الصعوبة” التي تقف في طريق تحقيق تفاهم دائم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
وطالب وزير الخارجية الألماني مجددا من تركيا التوقف عن عمليات التنقيب قبالة سواحل قبرص، متحدثًا من اليونان عن أنّ العلاقات المتوترة مع تركيا يمكن أنّ تتحسن إذا أوقفت أنقرة “الاستفزازات” في إشارة إلى التنقيب التركي عن الغاز في شرق المتوسط والذي يعتبره الاتحاد الأوروبي غير شرعي.

وقال الوزير هايكو ماس خلال زيارة لأثينا “بخصوص التنقيب التركي في شرق المتوسط، لدينا موقف واضح جدًا… يجب احترام القانون الدولي. إحراز أيّ تقدم في علاقات الاتحاد الأوروبي بتركيا سيكون ممكنًا فقط إذا أوقفت أنقرة الاستفزازات في شرق المتوسط”.

الموقف الأوروبي
الاتحاد الأوروبي، لم يتردد بإدانة أنشطة تركيا  غير القانونية قبالة سواحل قبرص بالتنقيب عن حقول الغاز . وكانت الدول الأعضاء في الاتحاد دعت تركيا مرارا إلى وقف حفريات التنقيب عن الغاز والنفط قبالة سواحل قبرص لأنها تتداخل مع المنطقة الاقتصادية لقبرص العضو في التكتل الأوروبي.
وفي وقت سابق، قال مفوض العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل يوم 13 يوليو 2020، إن “الوضع في ليبيا سيئ وانتهاكات حظر توريد الأسلحة متواصلة”. وأضاف بوريل أن الاتحاد الأوروبي يدعو تركيا إلى “احترام تعهدات بموجب مؤتمر برلين حول ليبيا”. مشدداً أن “على تركيا احترام القيم والمصالح الأوروبية من أجل علاقات أفضل” بين الطرفين. 
واعتبر أن “الإجراءات الأحادية الجانب لتركيا في المتوسط مناقضة لسيادة الدول”، مضيفاً: “ندعو تركيا للمشاركة بفعالية من أجل التوصل لحل سياسي في ليبيا”. وشدد على أنه يتوجب على تركيا احترام حظر السلاح المفروض على ليبيا.
وأعرب عن استعداد الاتحاد الأوروبي “لاتخاذ إجراءات توقف التصرفات التركية في البحر المتوسط”، مضيفاً: “لدينا عدة خيارات للرد على التحركات التركية في شرق المتوسط.. هناك مقترحات بفرض عقوبات على تركيا لوقف تصرفاتها في المتوسط”.

طموحات جيواستراتيجية

كشفت سياسات أردوغان  منذ عام 2016، طموحاته بتكوين استعادة الامبراطورية العثمانية وهذا يدفعه يحتم نحو مساعي إيجاد توازن للقوى الكبرى أي معادلة النفوذ الاقتصادي لمصادر الطاقة مع روسيا إذ تشكل أنقرة ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي من موسكو بحسب تقرير نشر لـ روسيا اليوم في 5 مارس 2020 بعنوان مكانة روسيا الاقتصادية بالنسبة لتركيا.

ويقوم مشروع “الوطن الأزرق” على تمدد تركيا في شرق البحر المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود والمقصود بهذه التسمية هي المنطقة الاقتصادية الخالصة، والجرف القاري، والمياه الإقليمية المحيطة بتركيا التي تتيح حرية استخدام جميع الموارد البحرية الموجودة فيها بحسب “الشرق الأوسط” في 23 مايو 2020. ووفقًا للمسح الجيولوجي الأمريكي، يحتوي شرق البحر الأبيض المتوسط على الغاز الطبيعي بقيمة تقارب 700 مليار دولار،ومن هذا الاحتياطي، تقوم تركيا بحفر الغاز الطبيعي قبالة الساحل الشمالي لجزيرة قبرص المقسمة.

اليونان لم تتردد بتوجيه الاتهامات إلى تركيا بتقويض الأمن في شرق البحر المتوسط بالتنقيب عن النفط والغاز قبالة قبرص . واكتشفت قبرص الغاز الطبيعي في مناطق قبالة سواحلها الجنوبية، لكن أنقرة تتحدى محاولات للقيام بمزيد من التنقيب زاعمة أن جزءا من المياه المحيطة بالجزيرة يتبع تركيا.

تقييم الموقف الألماني تجاه سياسا تركيا شرق المتوسط
ـ إن الرهان ما زال قائما، على الدور الألماني المرتقب، خلال رئاسة ألمانيا إلى مجلس الاتحاد الأوروبي، مطلع شهر يوليو 2020، وكذلك رئاسة مجلس الأمن، الأنظار تتجه نحو برلين، وتتزايد أكثر بعلاقة برلين مع باريس، التي أصبحت بالفعل المحور الرئيسي، الذي يمكن التعويل عليه للنهوض بالاتحاد الأوروبي.
ـ تبقى منطقة شرق المتوسط منطقة غير مستقرة بسبب، تلويح أردوغان، بتهديد الأمن الإقليمي والدولي، والذي لم يعد ملتزما بأي اتفاق أو قوانين دولية، بل تجاوز حتى حدود اللياقة في تصريحاته.
ـ أردوغان لم يعد يستمع إلى تحذيرات ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، فقد أصبحت العقوبات الأوروبية، المحتملة ضد تجاوزات أردوغان، نمطية وتقليدية، تتحدد بفرض عقوبات  اقتصادية محدودة، وتجميد مناقشة طلب تركيا بالترشيح إلى عضوية الاتحاد الأوروبية، وتأجيل طلب تركيا، بإعفاء مواطنيها من تأشيرة دول الاتحاد، إلى جانب تجميد تصدير صادرات الأسلحة إلى تركيا، مؤقتا. “العقوبات” هذه جميعها، تعتبر غير فاعلة ومحدودة جدا، أمام انتهاك واضح من قبل أردوغان للقوانين الدولية والاتفاقيات.
نصوص ومواثيق مجلس الأمن
ـ ما تعمل عليه تركيا في الوقت الحاضر، هو تهديدها للاستقرار والأمن الإقليمي والدولي. الممارسات الاستفزازية التي تمارسها أنقرة سواء ضد دول الاتحاد الأوروبي من شأنها أن تدفع الاتحاد الأوروبى إلى رفض انضمام تركيا للاتحاد أو الاستمرار بتعليقها.
ـ تعد التحرشات  التركية بمكامن الطاقة فى شرق البحر المتوسط  ليست بجديدة؛ وإن كانت هذه المرة أكثر إثارة للقلق الدولي والإقليمي، خاصة بعد توقيع مذكرة تفاهم لترسيم الحدود البحرية  مع حكومة السراج والتى من شأنها أن تؤدى إلى تصاعد التوتر الإقليمى فى المنطقة وتؤدى إلى تأجيج الصراع فى ليبيا.
ـ إن الانتقادات الأوروبية  الى تركيا، سوف لن يكون لها تأثير يذكر على تركيا وربما يعود ذلك، الى ان الأوروبيون يخشون ردود فعل تركيا حول قضايا الهجرة و تحريك  “ورقة الجاليات التركية” في المانيا وأوروبا، من شأنها ان تعمل على زعزعة الامن والاستقرار في المانيا وعواصم أوروبية اخرى.

ـ رغم أن ألمانيا بدأت تطلق تصريحات دبلوماسية أشد من السابق، خلال خلال شهر يوليو 2020 وخلال استلامها مسؤولية المجلس الأوروبي داخل الاتحاد، وتسمية تركيا بالاسم، بعد أن كانت تتردد بذكرها في تصريحاتها، فإن السياسة الألمانية المحتملة ضد أنشطة تركيا شرق المتوسط سوف تبقى تقليدية، وسوف لا تكون أبدا رادعًا لسياسات أردوغان في شرق المتوسط.

الأساس القانوني للتنقيب في شرق المتوسط
تقول الباحثة نيله ماتس ـ لوك، مديرة معهد فالتر شوكنغ للقانون الدولي في جامعة كيل وفقا ًلاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الدولي لعام 1982 في حالة تداخلت هذه المنطقة مع منطقة دولة أخرى، فعلى الدول المعنية الاتفاق على ترسيم للحدود وفق اتفاقية القانون البحري الدولي.

وأضافت الخبيرة في قانون البحار الدولي: “لكن تبقى البنود التي يجب أن تُبنى عليها هذه الاتفاقية غير واضحة”. ولكن “عندما تتوصل الدول إلى اتفاق، يكون لها مطلق الحرية في اختيار الطرق التي تستخدمها والنتيجة التي تتوصل إليها. إذا تم تقديم هذه القضية إلى محكمة دولية أو هيئة تحكيم دولية، فيجب أن يتم البث في ذلك بالاعتماد على مبدأ الإنصاف لترسيم الحدود البحرية”.

مؤتمر برلين حول ليبيا

انعقد مؤتمر برلين في 19 يناير 2020 للنظر في الأزمة الليبية وسبل ايجاد حلول لما يحدث وكان قادة الاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا من بين أولئك الذين أعلنوا التزامهم بإنهاء التدخل الأجنبي في الحرب الليبية، ودعم حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.

وعقب المؤتمر، شددت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على أنه لا يوجد وسيلة عسكرية لإنهاء النزاع، وإنما فقط حل سياسي.

مهمة “إيريني” لمراقبة حظر الأسلحة على ليبيا
تحل مهمة “إيريني” محل مهمة صوفيا التي أطلقت عام 2015، لكنها على عكسها مكلفة فقط بمراقبة حظر الأسلحة. وأطلق الاتحاد الأوروبي “مهمة إيريني” لمراقبة تنفيذ حظر الأسلحة على ليبيا،  وتهدف المهمة التي يوجد مقر قيادتها حاليا في روما، إلى وقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا.
تركيا عارضت قيام مهمة بحرية أوروبية بتفتيش سفينة شحن يشتبه في خرقها حظر الأمم المتحدة على الأسلحة إلى ليبيا وعليها تبرير موقفها أمام مجلس الأمن كما ذكرت مصادر أوروبية وفقا لـ تقرير”فرانس24″ في 12 يونيو 2020 . وأكد “جوزيب بوريل” المتحدث باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي وقوع الحادث في المياه الدولية قبالة سواحل ليبيا. 

وذهبت تركيا أبعد من ذلك عندما نفذت القوات الجوية التركية، في 11 يونيو 2020، تدريبات فوق البحر الأبيض المتوسط شاركت فيها طائرة الإنذار المبكر والتحكم المحمول جوا من طراز E-7T. كما تم تنفيذ جسر جوي يتكون من 4 طائرات شحن تركية من طراز C-130 بين تركيا ومطار مصراتة تحمل دعما لوجستـيا. وهذا ما يتعارض بشكل فاضح مع مخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا، المنعقد في 19 يناير 2020 .

ربما يعجبك أيضا