قبائل”الدوجون”و”الفولاني” في مالي.. صراع قبلي بإزكاء فرنسي

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

هجمات وردود انتقامية بين عرقيتي “الدوغون” و”الفولان”، باتت تثير قلقا بالغا في بلد يغرق منذ 2012، في أزمة أمنية خانقة، وحولت مناطقه الشمالية إلى حلبة مواجهات لا تنتهي بين القوات الحكومية والمجموعات المسلحة. وقد اجتذبت مالي الأنظار إثر سقوط 160 قتيلا، في مذبحة نفذها مسلحون من قبيلة الدوجون، العاملة بالصيد، ضد أهالي قرية أوجوساجو، التابعة لقبيلة الفولاني المسلمة، وسط الدولة الأفريقية، في 23 مارس الماضي.

الفولاني من أوائل القبائل التي اعتنقت الإسلام في أفريقيا، وتنتشر في دول عديدة بغرب ووسط القارة السمراء، على رأسها نيجيريا، غينيا، السنغال، الكاميرون ومالي، ويتجاوز عدد أفرادها 40 مليون شخص. انتقل عدد من أبناء الفولاني إلى حياة الاستقرار، لكن معظمهم ما يزال يعيش حياة الرعي والترحال، بحثا عن مراعٍ جيدة، في حركة دائمة تندلاع خلالها نزاعات مع مزارعين وقبائل مستقرة.

في مالي تعد أعمال العنف والاشتباكات بين المزارعين المستقرين وأبناء الفولاني، راعاة الماشية، أمرا معتادا، ومنذ 2012، أسقطت تلك الاشتباكات في نيجيريا أكثر من 3600 قتيل، بحسب تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية، في ديسمبر 2018. أما قبيلة الدوجون، التي يُقال إن أفرادا منها ارتكبوا مذبحة أوجوساجو، فتعيش في منطقة باندياجارا وسط مالي، في حياة مستقرة تعتمد على الزراعة والصيد.

دوافع الصراع

من حين إلى آخر، تندلع توترات بين الفولاني والدوجون، مصحوبة أحيانا بأعمال عنف، إلا أن كبار القبائل عادة ما كانوا يتوسطون للتهدئة. غير أن النزاع المسلح، الذي اندلع في 2012 مع مجموعات مطالبة بالحكم الذاتي شمالي مالي، وصل عام 2015 إلى مناطق الوسط، متسببا في نشر عدم الاستقرار بها.

في 23 مارس الماضي، هاجم مسلحون يرتدون ملابس صيادي الدوجون قرية أوجوساجو، التي يعيش بها أبناء الفولاني، فأسقطوا 160 قتيلا وعددا كبيرا من الجرحى، قبل أن يضرموا النيران في القرية. إضافة إلى ضعف سيطرة الدولة في منطقة موبتي (وسط)، وزيادة أعمال العنف، دفعا السكان إلى عدم الثقة في السلطات.

هكذا فإن النزاعات العرقية، التي كانت تتم تهدئتها عبر الوساطات، تحولت إلى العنف؛ بسبب مخاوف بخصوص الأراضي والسيادة، في ظل تراجع وجود الدولة في المنطقة. وأدت محاولات القبائل للسيطرة على بعضها البعض، إلى زيادة أعمال العنف والنزاعات في المنطقة.
اغترار قبيلة الدوجون بالدعم الذي تحصل عليه من الدولة من جهة، ورغبة قسم من الفولاني في الاستناد على تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الإرهابي (ينتمي قائده إليهم) من جهة أخرى، أدى إلى تصاعد استعراض القوة بين أبناء القبيلتين في الدول الواقعة غربي أفريقيا.

ميليشيات بدعم من الدولة

عدم تواجد الجيش في أجزاء من موبتي، خاصة في مدن مثل تمبكتو وسيغو، أدى إلى زيادة عدد التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتمردة في بلد يتجاوز عدد سكانه 18 مليون نسمة. واضطر أكثر من 40 ألف شخص إلى النزوح من أراضيهم، في الأجزاء الشمالية والوسطى؛ جراء النزاعات وأعمال العنف بين القبائل.

وتتهم الدول المجاورة وشركاء مالي الحكومة بعدم بذل الجهود اللازمة لمكافحة الإرهاب، وفي 2015 وافقت الحكومة على إنشاء مجموعات مسلحة في المنطقة، بحسب اتفاق تم التوصل إليه في الجزائر.

بناء على ذلك، وبدافع إرساء الأمن والاستمرار في محاربة المجموعات المتمردة والإرهابية، أنشأت الحكومة قوات ميليشيا مكونة من أشخاص يستطيعون استخدام السلاح، ومن أفراد مجموعات اتفقت معها، وزودتها بالسلاح. في 2016،  تم تأسيس ميليشيا “دانا أماساغو”، وتعني بلغة الدوجون “الصيادون الموقنون بالإله”، بزعم حماية الدوجون، وتلك هي الميليشيا المتهمة بارتكاب مذبحة أوجوساجو.

تتكون الميليشيات القائمة على أساس عرقي من أشخاص لا يتمتعون بانضباط الجيش، وليس لديهم وعي بشأن حقوق الإنسان. يحاول أفراد الدوجون شرعنة الصراع على الأراضي وإلباسه ثوبا آخر، باتهام جميع أبناء قبيلة الفولاني، التي لا تدعم الحكومة الحالية، بالارتباط بتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.

وتتُهم ميليشيا “دانا أماساغو” بشن هجمات عديدة، العام الماضي، على قرى الفولاني، الذين تتهمهم بدعم المجموعات الإرهابية، ورغم رفض الدوجون الاتهامات لـ”دانا أماساغو” بشن تلك الهجمات، إلا أنه تم حل الميليشيا في اليوم التالي لمذبحة أوجوساجو. بدورهم، أنشأ الفولاني “التحالف من أجل إنقاذ الساحل” (ASS)، لحماية أنفسهم من هجمات الدوجون.

فشل القوات الفرنسية والأممية

تعاني مالي أزمة سياسية وأمنية واقتتالا قبائليا، منذ انقلاب عسكري جرى في مارس 2012، أعقبه سيطرة مسلحين على مناطق في الشمال؛ مما أدى إلى تدخل عسكري فرنسي في 2014، تنتشر في مالي قوات فرنسية، مكونة من أربعة آلاف جندي، إضافة إلى قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، تتألف من 15 ألف جندي، في إطار البعثة الأممية المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار.

لكن حتى الآن فشلت كل من القوات الفرنسية والأممية في القضاء على التهديد الأمني المنبثق عن الهجمات الإرهابية والصراعات الانفصالية في الأقسام الشمالية والوسطى من الدولة الأفريقية، وتتهم دول المنطقة كلا من فرنسا والأمم المتحدة بعدم بذل الجهد الكافي لإرساء الأمن في مالي.

ربما يعجبك أيضا