كيف استغلت بكين حرب غزة لكسب الجنوب العالمي؟

هل كشفت حرب غزة عن انهيار سياسة واشنطن بالشرق الأوسط؟

شروق صبري
الصين وأمريكا

ساعدات تحركات الصين ودود فعلها على الأزمات المتلاحقة التي شهدها العالم خلال عام 2023 في تعزيز مكانتها لدى دول الجنوب العالمي ودول الشرق الأوسط، فماذا فعلت؟


على مدار العام الماضي، بينما كان الدبلوماسيون الغربيون يتنقلون من أحد أطراف العالم إلى الآخر لاحتواء سلسلة متزايدة من الحروب والأزمات وغيرها من الكوارث كان نفوذ الصين يتزايد دون بذل جهود دبلوماسية كبيرة، فما السبب؟.

مع هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 والحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، رأت بكين أزمة أخرى ينبغي استغلالها، ففي حين كانت الولايات المتحدة تشوه سمعتها لدى دول الجنوب العالمي من خلال دعمها لإسرائيل، أبدت بكين استجابتها للحرب، مع إيلاء اهتمام وثيق للرأي العام في دول الشرق الأوسط.

انحسار الهيمنة الغربية

قالت مجلة “فورين أفيرز”، اليوم الاثنين 8 يناير 2024، أنه بينما كان الغرب يسعى إلى الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد ركز الاستراتيجيون الصينيون على البقاء في عالم بلا نظام، وهم يعرضون مساعدة الدول الأخرى في بناء سيادتها وحرية المناورة مع انحسار الهيمنة الغربية.

منذ هجوم حماس، حاولت إدارة بايدن التوفيق بين الدعم العام لإسرائيل والضغوط الخاصة بشأن تسوية سياسية مع الفلسطينيين. ومن ناحية أخرى، فإن كل أزمة عالمية جديدة تعطي الصين فرصة أخرى لصقل خطابها تجاه الجنوب العالمي. وكان ذلك واضحا من خلال رد الصين على الحرب في غزة، وكذلك ردها على حرب أوكرانيا.

مواقف الصين الرابحة

كان رد الصين مؤثر فيما يتعلق بحرب غزة،  من خلال الدعوة إلى حل الدولتين، ورفض إدانة حماس، وبذل جهود رمزية لدعم وقف إطلاق النار، فقد استغلت المشاعر العالمية المعادية لإسرائيل في محاولة لرفع مكانتها في الجنوب العالمي. وفي محاولاتها المضنية لعكس الرأي العام العالمي بأكبر قدر ممكن، لتتبع استراتيجية الصين التي تربك صنّاع السياسات في الغرب.

عندما شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا في فبراير 2022 الحرب على أوكرانيا، استغرقت الصين بعض الوقت لتستقر كي توضح موقفها. وتخبطت في ردها الأولي، قبل أن تصدر تصريحات مربكة بعض الشيء. وفي معظم رسائلها، أكدت بكين على السيادة الإقليمية لأوكرانيا.

كما سعت إلى التأكيد على قربها من روسيا واعترفت “بالمخاوف الأمنية المعقولة” للبلاد، منتقدة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لدورهم في إشعال الحرب. لقد تعمدت بكين الغموض لكسب الرأي العام العالمي.

حل الدولتين

بمرور الوقت الذي شنت فيه حماس الهجوم على إسرائيل، كانت بكين قد شحذت نهجها وتمكنت من الرد بسرعة. وعندما أصبح من الواضح أن الرأي العام في الجنوب العالمي مرجحاً بأغلبية ساحقة ضد إسرائيل، سعت الصين على الفور إلى الاستفادة من الأزمة لفضح ما تعتبره معايير أمريكية مزدوجة.

وفي الثامن من أكتوبر، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانا يدعو إلى وقف إطلاق النار وتأييد حل الدولتين. وما لم يتضمنه البيان هو أي انتقاد لحماس، على الرغم من أن أربعة من ضحايا هجوم حماس كانوا مواطنين صينيين.

وفي أواخر أكتوبر 2023، قالت صحيفة “تشاينا ديلي”، وهي وسيلة دعائية، أن “الولايات المتحدة تقف إلى جانب الجانب الخطأ من التاريخ في غزة”. وفي مكان آخر، نشر التلفزيون الحكومي الصيني تصريحات مفادها أن اليهود يمثلون 3% من سكان الولايات المتحدة ولكنهم “يسيطرون على أكثر من 70 % من ثرواتها”.

حرب غزة

حرب غزة

بديل لأمريكا

وهذه الآراء تتوافق مع رأي الأغلبية في الجنوب العالمي، في دول مثل إندونيسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب أفريقيا، حيث تستطيع الصين أن تقدم نفسها كبديل لأمريكا الداعية إلى الحرب والمهيمنة والمنافقة.

ويمتد خطاب الصين المناهض لإسرائيل إلى تواصلها الدبلوماسي. ففي 20 نوفمبر 2023، انطلقت مجموعة من وزراء الخارجية العرب في جولة إلى الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

نفوذ الصين في الشرق الأوسط

كانت محطتهم الأولى في بكين، حيث كان في استقبالهم وزير الخارجية الصيني وانغ يي. ومن المؤكد أن اختيار السفر شرقاً قبل اجتماعاتهم في فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة كان مقصوداً.

ويمكن قراءته كدليل على نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط منذ التفاوض على الانفراج بين إيران والمملكة العربية السعودية في مارس 2023. ورغم أن الاجتماع في بكين لم يسفر عن أي نتائج ملموسة، إلا أنه لا يبدو أن هذا كان هو الهدف على الإطلاق. وبدلاً من ذلك، كانت هذه وسيلة للدول العربية للإشارة إلى أن لديها خيارات بخلاف الولايات المتحدة، كما تستمتع الصين بلعب دور الشريك البديل.

ربما يعجبك أيضا