تحذير أمريكي للصين من دعم روسيا.. وبكين تصف سلوك واشنطن بـ«الهستيري»

محمد النحاس

تبادلت الصين والولايات المتحدة تصريحات هجومية، فإلى أي مدى يصل الخلاف؟ وما علاقاته بحادثة المنطاد الصيني؟


حلقة من التوتر متواصلة بين الولايات المتحدة والصين، لم يكن دخول المنطاد الصيني للأجواء الأمريكية آخر فصولها.

وعلاوةً على ذلك، تخشى الولايات المتحدة من دعم الصين روسيا عسكريًّا، ما دفع واشنطن إلى تحذير بكين من الإقدام على مثل هذه الخطوة، التي قالت إنها ستؤدي إلى عواقب وخيمة، ولكن مع ذلك يرجح خبراء أن واشنطن ترغب في تخفيف التوتر مع بكين، فلماذا؟

تحذير أمريكي

إثر مخاوف تحدثت عنها واشنطن في وقت سابق، حذّر مسؤولٌ أمريكي رفيع المستوى من أن الصين تدرس إرسال مساعدات عسكرية إلى روسيا، في وقت تشن فيه الأخيرة حربًا ضد أوكرانيا، أوشكت على دخول عامها الثاني.

63dd43274e996.imageوخلال اجتماع بين وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ومدير مكتب الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وانج يي، حذر بيلنكن المسؤول الصيني من تقديم دعم عسكري لروسيا، بحسب تقرير لوكالة رويترز للأنباء، 19 فبراير 2023.

سلوك هستيري

قال الوزير الأمريكي، أنتوني بلينكن، صراحةً إنه إذا ما أقدمت بكين على مثل هذه الخطوة، فسيكون هناك عواقب وخيمة، وجاء ذلك على هامش مؤتمر ميونخ للأمن العالمي.

والتقى المسؤولان البارزان بعد ساعات فقط من انتقاد المسؤول الصيني، لإسقاط المنطاد، فقال كبير الدبلوماسيين الصينيين، وانج يي، إن الولايات المتحدة انتهكت الأعراف الدولية بإسقاط المنطاد، واصفًا السلوك الأمريكي بـ”الهستيري”.

W020211230529225252688

واشنطن ترد

تعترف بكين بأن المنطاد الذي اخترق الأجواء الأمريكية، منطاد صيني، غير أنها تجادل بأنه “منطاد طقس انحرف عن مساره ليدخل الأجواء الأمريكية عن طريق الخطأ”، في حين تشدد واشنطن على أنه “منطاد تجسس”، يحوي أجهزة اتصال ومراقبة وتوجيه حديثة، وكان يستهدف تصوير مواقع عسكرية حساسة.

مرصد مراكز الأبحاث

وتلا حادثة المنطاد دخول بعض الأجسام المجهولة الأقل حجمًا إلى الأجواء الأمريكية، وقد أسقطتها القوات الجوية وأثارت جدلًا واسع النطاق وسط مخاوف متزايدة من تجسس محتمل للصين على واشنطن، غير أن البيت الأبيض كان متحفظًا في الحديث عن ماهية الأجسام.

إلغاء زيارة وزير الخارجية

تنفي واشنطن المزاعم الصينية، وتقول إن المنطاد الذي أسقطته طائرة مقاتلة أمريكية، كان يهدف إلى التجسس، وألغت على إثر الحادثة زيارة كانت مرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، للصين التي قالت إن رد الفعل الأمريكي مبالغ فيه.

وكانت الزيارة التي ألغيت ستكون الأولى من نوعها منذ خمس سنوات، وعدّها الجانبان فرصة لتعزيز التواصل، وتقوية الروابط، إلا أن الحادثة الأخيرة أرجأت التقارب المرجو.

وقالت الصين في وقت سابق إن عدة اختراقات أمريكية مماثلة تعرضت لها الأجواء الصينية العام الماضي، ولكن واشنطن نفت ما وصفته بـ “الادعائات الكاذبة، والتي لا يوجد أي دليل عليها”.

مخاوف غربية

تأتي هذه التصريحات في وقت يرقب الغرب فيه كذلك سلوك الصين تجاه روسيا، فتتوجس الدول الغربية من دعم عسكري محتمل قد تقدمه بكين لموسكو، في وقتٍ تشهد ساحة المعارك فيه بأوكرانيا جمودًا نسبيًّا، في ظل ترقب لهجوم الربيع الذي تقول كييف إن الكرملين يخطط لشنه تزامنًا مع ذكرى انطلاق المعارك في 24 فبراير المقبل.

وتحدثت تقارير غربية عن نقل طائرات مُسيرة زهيدة التكلفة، من صناعة شركة صينية إلى أرض المعركة عن طريق وسطاء إلى طرفي الصراع، ولم يشر التقرير إلى تورط مباشر للحكومة الصينية في نقل المسيرات، وفقًا للمجلة الأمريكية المتخصصة في الشؤون الدولية “فورين بوليسي”.

إصلاح الضرر

قالت وزارة الخارجية الصينية، إن وانج أبلغ بلينكن بأنه على الولايات المتحدة إصلاح الضرر الذي طال علاقات بكين وواشنطن، وهو ضرر ناجم عما سمته الصين “الاستخدام العشوائي للقوة”، في إشارةٍ من الخارجية الصينية إلى حادثة إسقاط المنطاد الصيني.

a673a8738e5cfe6e71c08343cca35d33

انتقد كبير الدبلوماسيين الصينيين “السلوك الأمريكي”.

وكانت الخارجية الصينية قد حذرت واشنطن من تبعات “مزيد من التصعيد”، وانتقدت السلوك الأمريكي أكثر من مرة مستخدمةً لغةً حادة، في حين عدت الخطوات الأمريكية، مناقضة للأعراف الدولية، في المقابل ترى واشنطن أن إسقاط المنطاد كان “رد فعل طبيعي على اعتداء غير مقبول على السيادة الأمريكية”.

لا اعتذار

قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بعد اللقاء إن الصين لم تعتذر عن إرسال المنطاد إلى الأجواء الأمريكية، مضيفًا: “أخبرتُ المسؤول الصيني بأن هذا الأمر ليس مقبولًا على الإطلاق ولن نسمح بحدوثه مجددًا”، وذلك في حديث أجراه الدبلوماسي الأمريكي رفيع المستوى مع شبكة سي إن إن الإخبارية.

be8781fd 05d3 4802 ba91 d4ce8637f092 c2535c9c 2وتقول “رويترز” إن حادثة المنطاد أضرت كثيرًا بالعلاقات الأمريكية الصينية، وكانت واشنطن تأمل في تحسين العلاقات بعد وصولها إلى مستوى خطير أغسطس العام الماضي، إثر زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك نانسي بيلوسي، لجزيرة تايوان، وهي الزيارة التي أغضبت الصين.

وأطلقت بعدها بكين مناورات بحرية ضخمة وتدريبات عسكرية، شاركت بها الوحدات المختلفة لجيش التحرير الشعبي، وذلك حول الجزيرة التي تشدد بكين على أنها جزء من الجمهورية الشعبية، وتؤكد ضرورة ضمها ولا تستبعد “الحل العسكري”. ومن جانبها تتبنى الولايات المتحدة رسميًّا سياسية “صين واحدة”.

4755930

مزيد من التصعيد ومحاولة للتشتيت

يرى الخبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، كريج سينجلتون، أن التصريحات الصينية لا تعبر عن غضب حقيقي بقدر ما هي محاولة لصرف الانتباه عن حادثة المنطاد، ويؤكد أن عدم وجود رد حاسم من واشنطن، يزيد رغبة بكين بمزيد من التصعيد مستقبلًا، بحسب رويترز.

وبالعودة إلى مخاوف واشنطن من تقارب موسكو وبكين، تجمع روسيا والصين جملة من العوامل المشتركة التي تسهم في تعزيز علاقاتهما، فيشتركان في السخط على الوضع الإقليمي، والسعي لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب بديلًا لنظام القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة، والتنافس المحتدم مع ما يقولان إنه “هيمنة غربية”.

شراكات وتحالفات وتنافس أمني

بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتدهور علاقات العواصم الغربية مع موسكو، بدت الصين بسوقها الواعدة، هي البديل الأمثل الذي سيلجأ إليه الروس، لتعويض ما خسره الاقتصاد الروسي إثر العقوبات الغربية، وتبعات مغادرة كبرى الشركات والمؤسسات العالمية الأراضي الروسية.

مناورات عسكرية - أرشيفية

وإضافة إلى ما سلف، تتواصل التوترات بين الولايات المتحدة والصين بـ”منطقة الباسفيك”، وتعقد واشنطن جملة من الشراكات الأمنية والتحالفات العسكرية التي تهدف إلى تقويض نفوذ الصين المتزايد بواحدة من أهم المناطق الحيوية للتجارة العالمية.

وعن طريق تحالفات مثل “أوكوس”، والحوار الأمني الرباعي “كواد” وهي تحالفات تعقدها واشنطن مع حلفائها الآسيويين، ما دفع الصين لزيادة معدل المناورات التي تجريها بالمنطقة، وشارك الروس في بعض هذه المناورات، والتي زادت وتيرتها بنحوٍ ملحوظ، كما عقدت شراكات أمنية مع حلفائها بالمنطقة.

رغبة واشنطن في تخفيف التوتر

يرى خبراء تحدثوا في وقت سابق إلى شبكة رؤية الإخبارية، أنه رغم هذه التوترات المتصاعدة على عدة أصعدة، فإن الولايات المتحدة تسعى للتقارب مع الصين، بغية دفع الصين إلى اتخاذ موقف محايد من النزاع في أوكرانيا، في وقتٍ يراهن فيه الكرملين على دعم بكين الاقتصادي والعسكري.

ومن الأهداف الأمريكية كذلك، إقناع الصين بعدم مساعدة روسيا اقتصاديًّا مع تضييق الخناق على الاقتصاد الروسي الخاضع لعقوبات غربية غير مسبوقة، ومن شأن هذه الخطوات أن تؤدي إلى إقناع الروس بالذهاب إلى طاولة المفاوضات، كما تأمل واشنطن.

ربما يعجبك أيضا