في نيجيريا.. نيران الغضب تشتعل بعد الثلاثاء الدامي وسط تنديد دولي

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

في الدقائق التي سبقت بدء إطلاق النار، كان المئات من المتظاهرين السلميين ومعظمهم من الشباب تجمعوا في منطقة ليكي بمدينة لاجوس في نيجريا، ويلوحون بالأعلام، ويرددون النشيد الوطني في تحد للحكومة.

وسمع إطلاق نار في محيط مكان التجمع خلال ليل الثلاثاء وحتى صباح الأربعاء، حيث هجمت القوات المسلحة على المتظاهرين السلميين، ما أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة أكثر من 25 آخرين.

بدأت الاحتجاجات في وقت سابق من هذا الشهر، بسبب الانتهاكات المتفشية التي ارتكبتها قوات مكافحة السرقة الخاصة سيئة السمعة (سارس)، وهي وحدة شرطة تشتهر بالفساد والتعذيب، حيث خرج الآلاف إلى الشوارع، وكثير منهم لأول مرة، في ما بدا وكأنه لحظة فارقة لجيل عازم على التغيير.

تقول شولا عبدول، البالغة من العمر 21 عامًا، إن المحتجين كانوا على استعداد لموعد وصول قوات الأمن بالتأكيد، لفرض حظر تجول لمدة 24 ساعة في جميع أنحاء الولاية، وهو حظر فعلي للاحتجاجات ضد وحشية الشرطة، مضيفة: «اعتقدنا أنهم إذا جاؤوا ورأوا أننا مع أعلامنا، نحاول دفع بلادنا إلى الأمام، فسوف يفهمون ذلك، ولكن بعد ذلك عندما جاءوا كانوا يتصرفون مثل الحيوانات».

وبحسب شهود عيان، نزل عشرات الجنود من أربع شاحنات، واقتربوا من موقع الاحتجاج الرئيسي في لاجوس، وعلى الفور فر المئات من المتظاهرين مع هطول أمطار من الرصاص.

تضيف شولا: «في البداية بدء إطلاق النار في الهواء ثم باتجاه الحشود، وبدأت الجثث تتساقط على الأرض من حولي وبدأت بالهرب لقد قتلوا الكثير من النفوس البريئة، كنت أهرب وكانوا يطاردوننا، كان الناس يموتون على الفور، كما لو كانت لعبة».

الثلاثاء الأسود

أثار «الثلاثاء الأسود»، كما أطلقت عليه وسائل الإعلام النيجيرية ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار لقطات مصورة تظهر الجنود وهم يطلقون وابل من الرصاص على المتظاهرين.

كما أثارت «مذبحة ليكي»، الغضب تجاه الحكومة النيجيرية وقوات الأمن لقمعها واحدة من أكثر الحركات الاحتجاجية لفتًا للانتباه منذ عقود في نيجيريا، وضاعف من حدة الصدمة لقطات لانتهاكات أخرى وإطلاق نار من قبل قوات الأمن في مواقع الاحتجاج في جميع أنحاء نيجيريا.

 ووصلت أصداء هجوم الشرطة على المتظاهرين السلميين في لاجوس، إلى الأمم المتحدة التي طالبت بـ«إنهاء وحشية الشرطة وانتهاكاتها»، وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إنّ الأمين العام «يحث قوات الأمن على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس في كلّ الأوقات، ويدعو المتظاهرين إلى الاحتجاج بطريقة سلمية والامتناع عن أيّ أعمال عنف».

من جهته، دان وزير خارجية الاتحاد الأوروبي القمع الدموي للتظاهرات السلمية في لاجوس، وقال وزير خارجية الاتحاد جوزيب بوريل، إنّ «المعلومات عن سقوط قتلى وجرحى في تظاهرات مقلقة، ومن الضروري إحالة المسؤولين عن هذه التجاوزات على القضاء ومحاسبتهم».

وكان المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية، جو بايدن، ورئيس أساقفة كانتربري في المملكة المتحدة، جاستن ويلبي، من بين الكثيرين في جميع أنحاء العالم الذين أدانوا العنف ودعوا السلطات النيجيرية إلى التحقيق.

من جانبه نفى حاكم لاجوس، باباجيد سانو أولو، وجود قتلى، قائلا «إن الواقعة كانت من بين أحلك الساعات في تاريخنا كشعب، لكن على عكس ما يجري تداوله على مواقع التواصل، لا يوجد قتلى، ويجري معالجة 25 جريحاً حالياً في ثلاثة مستشفيات في المدينة”

وأضاف «مسؤولية هذا الحادث المأساوي تقع على عاتقي، وسأعمل مع الحكومة الفدرالية لتحديد ما حصل»، مؤكّداً أن عملية القمع «خرجت عن سيطرته»، ومع ذلك، فقد أثار المزيد من الغضب من خلال زعمه أنه لم يقع قتلى.

ونشر الجيش النيجيري، المتهم منذ فترة طويلة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والقتل الجماعي، سلسلة تغريدات، زعم فيها أن التقارير التي اتهمت جنودا بإطلاق النار في مكان الحادث كاذبة.

وأعلنت الشرطة عن نشر فوري لوحدات مكافحة الشغب فيما كانت التظاهرات في معظم مدن البلاد تتطور إلى صدامات وأعمال شغب، لكن في ليكي حيث وقع إطلاق النار، حافظت التظاهرات على طابعها السلمي طوال اليوم.

برك من الدماء

موقع الاحتجاج الذي كان لمدة أسبوعين تقريبًا مسرحًا لغضب الشباب من وحشية الشرطة والأمل في احتمال التغيير، تجول إلى برك من الدماء، وتتصاعد منه أعمدة الدخان جراء حرق إطارات السيارات والأعلام واللافتات.

يقول إيمانويل إيديت 28 عامًا، «كنت مع المتظاهرين قبل بدء إطلاق النار، ورأيناهم كانوا جنودًا، متسائلا: هل يعتقدون أننا لا نعرف كيف تبدو قوات الجيش؟، بقيت في غابة مجاورة بعد أن هربت من الشرطة، وسمعت أصوات الطلقات النارية حتى الصباح الباكر»، مؤكدا أن السلطات كانت متواطئة.

وأكد المتحدث باسم منظمة العفوعيسى السنوسي، «نحن نحقق في هذه المزاعم، وفي مقتل عدة اشخاص على يد قوات الأمن كما نعمل على التحقق من أعداد القتلى».

تقول غلوريا ناتشي 28 عاما، إن شقيقتها مابل البالغة من العمر 30 عامًا أصيبت برصاصة في الاشتباك، مضيفة «كنت أركض وأدركت فجأة أنها ليست معي، لقد ذهبنا إلى الاحتجاجات معًا لأول مرة، لكنها أصيبت برصاصة في جانبها، وأنا أدعو أنها تظل على قيد الحياة، كنا مقتنعين أن هذه كانت لحظة تغيير يصعب تصديقها في كثير من الأحيان».

من جانبها تقول  إيمانويلا فورت، الشاعرة البالغة من العمر 23 عامًا، إن الاحتجاجات كانت مكانًا للإلهام، مضيفة: «على الرغم من إطلاق النار، كانت الاحتجاجات مجرد بداية لسعي طويل الأمد من أجل التغيير، أنا سعيدة بالعودة إلى المنزل والراحة ولكن قريباً، سنعود مرة أخرى، لا يمكننا أن نتحمل التراجع الآن، لن تتقدم نيجيريا أبدًا أبدًا إذا تراجعنا».

ربما يعجبك أيضا