«مجزرة العيلفون السودانية».. جريمة لا تسقط بالتقادم

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

أعلنت النيابة العامة السودانية اليوم السبت، عن عزمها دفن رفات بعض جثامين مجزرة العيلفون، بعد اكتمال الإجراءات الفنية، وذكر مصدر طبي بالنيابة السودانية أنه تم إثبات أسباب الوفاة في بعض الحالات حيث جاء نتيجة الضرب بالرصاص الحي إضافة إلى الضرب بأعقاب البنادق.

كما تم ضم الرئيس المعزول عمر البشير إلى القضية كمتهم ثانٍ بعد كمال حسن علي، المتهم الأول الذي تجري ملاحقته من قبل الإنتربول، فضلا عن توجيه اتهام كذلك لمدير الشرطة الأسبق الفريق هاشم عثمان الحسين وآخرين من قيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل.

وعلى الرغم من أن المجزرة قد مضى عليها 23 عاماً إلا أن السلطات السودانية لم تفتح باب التحقيق فيها إلا في يونيو 2020 عندما أعلن النائب العام السوداني تاج السر الحبر، عن اكتشاف مقبرة جماعية لمجندين سودانيين بالقرب من الخرطوم تعود للعام 1998.

ولكن ما هي مجزرة العيلفون ولماذا فتح باب التحقيق الآن دعونا نلقي نظرة على الأحداث.

ذكرى حزينة

63285 1 1352918

لم يستطع عقدان من الزمن محو التفاصيل الدقيقة لعملية عملية اغتيال أكثر من مائة طالب في معسكر “العيلفون” للتدريب الحربي شرقي الخرطوم من ذاكرة السودانيين، بسبب بشاعة الجريمة، ففي عام 1998، وبالتحديد شرق العاصمة السودانية الخرطوم، كان معسكر العيلفون واحدا من أكثر من 10معسكرات تجنيد رئيسية تنتشر في مختلف أنحاء السودان، وكانت تأخذ الشباب إجباريا ، وحتى من هم ما زالوا في سن التعليم الأساسي، وليس إخباريا لتدريب الآلاف من الصبية بينهم من أكملوا لتوهم امتحانات الدخول إلى الجامعة، وبعضهم يعمل في مهن هامشية، ليتم إلحاقهم بوحدات القتال في مناطق الحروب بالجنوب والنيل الأزرق.

 لم يكن معظم أولئك المجندين يلتحقون بمعسكرات التدريب برغبتهم أو إرادتهم إنما كان يتم اصطيادهم من الطرقات في حملات منظمة تجوب شوارع الخرطوم والمدن الأخرى في وضح النهار، ويتم أخذهم عنوة للمعسكرات، وكان من الطبيعي أن يخرج الشاب أو الصبي في تلك الأيام لشراء خبز أو أغراض لأسرته ولا يعود، ولا تعرف أسرته عن مكانه إلا بعد أيام من البحث المضني.

وعلى الرغم من قصص الإهانات المفرطة التي يرويها من وقعوا في قبضة معسكرات الخدمة الإلزامية في تلك الأيام، إلا أن ما حدث في معسكر العيلفون في ليلة الثاني من أبريل 1998 ظلّ جزءا من الذاكرة السودانية الحزينة، وهو ما دفع بعدد من الناشطين للمطالبة بوضع الملف في مقدمة أولويات العدالة في المرحلة الانتقالية.

وتعود القصة الحزينة إلى الحادي والثلاثين من مارس 1998 أي قبل ثلاثة أيام من الحادثة، عندما طلب المجندون من قادة المعسكر إجازة للاحتفال مع أهاليهم بعيد الأضحى الذي كان يصادف اليوم التالي من الحادثة، لكن إدارة المعسكر رفضت طلبهم واتهمتهم بالتمرد على القوانين العسكرية، وحاول البعض النجاة قافزين إلى النهر القريب من سور المعسكر، فقضى الكثير منهم غرقا، وتمكنّ البعض من النجاة.

يروى الشاهد “م.أ”، الذي كان متواجدا وقت الحادثة داخل المعسكر في دورة تدريبية، وكان حينها ضابطا برتبة الملازم، بعضا من تفاصيل ذلك اليوم حيث أبلغ ضباط الاستخبارات إدارة المعسكر بأن عدد من المجندين يخططون للهروب عند العاشرة ليلا، لكنهم تفاجأوا عند صلاة المغرب بأصوات طلق ناري من ناحية البوابة الرئيسية، ليكتشفوا أن المجندين غيروا توقيت الخطة وقرروا التسلل في ذلك الوقت، مما دفع الوحدة المكلفة بحراسة البوابة لإطلاق النار.

وأضاف الشاهد أن الضباط وجنود المعسكر بدأوا في التحرك نحو السور المتاخم للنيل، وكانت أصوات بعض الفارين تسمع عند ضفة النهر، مشيرا إلى أنه شاهد مجموعة تتكون من نحو 50 مجندا استقلت مركبا حديديا تعرض للغرق في منتصف النهر.

وحول السبب الذي جعل الدولة أو إدارة المعسكر لا تهتم طوال هذه المدة حتى بتقديم المواساة لأهالي الضحايا، قال الشاهد إن الوضع كان مختلفا فكل شيء كان مسيطرا عليه من القيادة العليا، فذهاب ضباط المعسكر لأهالي الضحايا أو مجرد الحديث عن الواقعة كان سيورطهم في مشاكل كبيرة.

ضحايا المعسكر

في فبراير الماضي طالبت النيابة العامة السودانية، من كمال حسن القيادي في نظام الرئيس المعزول عمر البشير، و9 آخرين من أتباعه، بتسليم أنفسهم لاتهامهم بالتورط في تنفيذ مجزرة العيلفون.

كان كمال حسن القيادي بنظام البشير، يشغل وقت وقوع المجزرة منصب منسق الخدمة الإلزامية بالجيش، قبل أن يتقلد عدد من المناصب الحكومية كان آخرها وزيرًا لوزارة التعاون الدولي، كما عين مسئولا عن مكتب المؤتمر الوطني في القاهرة لسنوات طويلة قبل أن يصبح سفيرا للخرطوم في مصر ومساعدا للأمين العام للجامعة العربية، ونفى كمال في وقت سابق تورطه في هذه الحادثة.

ونشرت لجنة التحقيق في أحداث العليفون، إعلانا في عدد من الصحف الصادرة في الخرطوم طالبت فيه كمال حسن علي و9 آخرين بتسليم أنفسهم إلى أقرب مركز شرطة، خلال فترة لا تتجاوز الأسبوع.

وقال وكيل النائب العام: إن الـ10 الذين طالبهم بتسليم أنفسهم، متهمين تحت المواد 21 و26 و89 و97 من القانون الجنائي، المتعلقة بالاشتراك الجنائي والتعاون في ارتكاب جريمة ومخالفة الموظف العام للقانون بقصد الإضرار أو الحماية وتقديم بيان كاذب.

وشكل النائب العام السوداني في يناير العام الماضي 2020، لجنة تحقيق حول أحداث “معسكر العيلفون” التي توصلت إلى مقبرة جماعية في منطقة الصحافة جنوبي العاصمة “الخرطوم”، دفن فيها بعض ضحايا المعسكر.

ودعت لجنة التحقيق أسر الضحايا والمفقودين في أحداث العليفون للحضور أمام اللجنة بغرض إجراء فحص البصمة الوراثية DNA، للتعرف على الضحايا الذين عثر على رفاتهم.

ربما يعجبك أيضا