حصاد 2022| إيران والاقتراب من روسيا.. بين المكاسب والمخاطر

يوسف بنده

بين سياسة التوجه شرقًا، هدفًا للمحافظين في إيران، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتدخل الجمهورية الإسلامية في مرمى الغارات الغربية على روسيا.  


باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تتعزز رؤية المحافظين في إيران بالاقتراب أكثر من المعسكر الشرقي، وتقوية موقعها في سوق الطاقة والغاز.

ويراهن الوجه المحافظ من النظام الإيراني على سياسة “التوجه شرقًا” في إدارة المعركة مع الغرب، والقدرة على مواجهة العقوبات والمحافظة على النفوذ الخارجي في الوقت نفسه.

14010429000542 Test PhotoN 1

التوجه شرقًا

في مطلع العام 2022، أعلنت الحكومة الإيرانية برئاسة الرئيس المحافظ، إبراهيم رئيسي، ترسيخ سياسة “التوجه شرقًا” بعزم الرئيس الإيراني زيارة روسيا، وتحققت هذه الزيارة، 19 يناير، التي مثلت تحولًا استراتيجيًّا في العلاقات بين إيران وروسيا، بإعلان اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

واستغلت طهران الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت فجر الخميس 24 فبرابر الماضي 2022، لتفعيل ممر “شمال جنوب“، فتصبح إيران الممر البري والبحري لوصول تجارة روسيا نحو غرب وجنوب غرب آسيا، وذلك في ظل حاجة روسيا إلى أسواق بديلة للأسواق الأوروبية، التي فقدتها بموجب الحرب.

1400102917414853024570764

وبسبب الحرب الروسية الأوكرانية، نشطت حركة الترانزيت عبر إيران، ما عزز أهميتها في حركة التجارة بين دول مجموعة “بريكس“، التي تضم الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وكان الهدف منها تأسيس نظام موازٍ للنظام المالي العالمي حاليًّا.

بوتين في طهران

بعد زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، منطقة الخليج، منتصف يوليو، زار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، طهران، 18 يوليو، واجتمع مع نظيريه الإيراني والتركي، لإدارة ملفات تتعلق بالأمن والتجارة والطاقة، والتشديد على فشل الحصار الغربي ضد بلاده في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية.

وعززت هذه الزيارة التحالف الاستراتيجي بين البلدين، ورسم ملامح جديدة لإيران بالارتباط بروسيا أكثر، إلى درجة اعتماد روسيا على إيران في مواجهة العقوبات الغربية، وتلقي الدعم في حربها مع أوكرانيا، من أجل تحقيق التوازن الأمني والعسكري أمام التحركات الأمريكية والأوروبية.

زيارة بوتين لإيران ولقاء رئيسي وبوتين

من أجل تخطي العقوبات

استفادت روسيا من خبرة إيران في مجال تخطي العقوبات الغربية، خاصة أن موسكو تواجه عقوبات غربية قاسية من جراء حربها في أوكرانيا.، وزار وفد تجاري روسي يضم أكثر من 120 عضوًا، العاصمة طهران، نوفمبر الماضي.

وتستفيد روسيا من ممر “شمال جنوب”، الذي يمر عبر الأراضي الإيرانية، في نقل تجارتها نحو منطقة جنوب آسيا والهند، ولذلك تناولت نقاشات الوفد الروسي مسائل الجمارك والنقل والشحن في بحر قزوين والسكك الحديدية، والتحويلات المصرفية والاستثمار والتعاون الإقليمي، والتعاون في إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

السعى لتقليل آثار وقف إمدادات الغاز الروسي

رهان على روسيا من أجل الطاقة

راهنت إيران على اقترابها من روسيا، في تطوير قطاع الطاقة والتصدير لديها، فوقعت إيران مع شركة “غازبروم” الروسية أكبر صفقة في تاريخها، باستثمارات تصل إلى 40 مليار دولار، تتضمن إجراءات مثل بناء خطوط أنابيب لتصدير الغاز، وذلك تزامنًا مع زيارة الرئيس الروسي.

وأفادت الحرب الروسية الأوكرانية إيران وطموحاتها نحو أوراسيا، فأدركت طهران أن موسكو طرف حيوي في التوازن الأوراسي، الذي ترغب في أن تكون جزءًا منه، وفق عقيدتها الجديدة القائمة على “التطلع نحو الشرق”، ويقتضي ذلك المساومة مع موسكو، التي تستخدم المصالح الإيرانية بمثابة ضمانة لاستراتيجياتها.

أزمة الغاز الطبيعي بين روسيا وأوروبا

ومنذ الأزمة الأوكرانية التي أشعلت سوق الطاقة في العالم، وإيران تطمح إلى تعزيز موقعها في سوق الطاقة والغاز في العالم، فطرحت غازها بديلًا للغاز الروسي، وأمام غزو روسيا لأسواق الطاقة في آسيا بعد مغادرتها أوروبا، اتجهت إيران إلى سياسة مقايضة الغاز مع روسيا، للاستفادة من تبعات أزمة الطاقة العالمية.

التورط في حرب أوكرانيا

أظهر حطام الطائرات المسيّرة في الحرب الأوكرانية دلائل قوية على تورط إيران في هذه الحرب بدعم حليفتها روسيا، بمعدات عسكرية، وأطلقت قمرًا اصطناعيًّا بمساعدة روسيا ولخدمتها في هذه الحرب، وأشارت التقارير إلى صفقة عسكرية تحصل فيها روسيا على المسيّرات مقابل حصول إيران على الطائرات الروسية.

وكشف تقرير، نشرته شبكة “سكاي نيوز” البريطانية، 9 نوفمبر 2022، أن روسيا تلقت عشرات الطائرات بدون طيار الإيرانية، نظير 140 مليونًا و600 ألف دولار أمريكي، ومجموعة أسلحة بريطانية وأمريكية استولت عليها موسكو، وهو ما يمثل صيدًا ثمينًا لإيران، التي ترغب في فهم تكنولوجيا التسليح الغربية.

هجمات بمسيرات إيرانية في أوكرانيا

وكشفت التقارير أن إيران تجني ثمارها من التورط في الحرب الأوكرانية، فقد تسلمت بالفعل 50 طائرة روسية الصنع من طراز “سوخوي 35” الحديث، وأن نحو 150 طيارًا تدربوا على استخدامها، في حين أشار البيت الأبيض، يوم الجمعة 9 ديسمبر 2022، إلى تدريب الطيارين الإيرانيين على هذه الطائرات في روسيا.

مواجهة الغضب الغربي

واجه الدعم، الذي قدمته إيران لروسيا ضد أوكرانيا، غضبًا من حكومة كييف، التي أعلنت 24 سبتمبر الماضي، خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران، فوصف الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، إيران بأنها “تتعاون مع الشر”، واتجه الاتحاد الأوروبي نحو فرض عقوبات على إيران من جراء دعمها لروسيا.

وتوعدت واشنطن باتخاذ إجراءات بحق كل من يتعاون مع برنامج الطائرات المسيّرة الإيرانية. ويواجه النظام الإيراني ضغوطًا داخلية من جراء حركة احتجاج واسعة على الفشل الاقتصادي والقيود على الحريات، وهو ما دفع القوى الأوروبية والأمريكية إلى مساندة هذه الاحتجاجات.

1401060115140627725943374

في ذيل روسيا

بدت إيران في تحالفها مع روسيا، وكأنها تتبع الدب الروسي في مناطق نفوذه، فتشارك روسيا في نفوذها بمنطقة شرق المتوسط، عبر وجودها في سوريا، وكذلك تنسق معها لإدارة محادثات “آستانة”، المتعلقة بإدارة الحل في سوريا من أجل الحفاظ على مكاسبها الاقتصادية والأمنية من الحرب في سوريا.

وذهب هذا الاتباع إلى مسافة أبعد، تمثل في زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين عبداللهيان، إلى دولة مالي، أغسطس الماضي، ويأتي الاهتمام الإيراني بدولة مالي بالتوازي مع اهتمام روسيا، التي تسعى لترسيخ وجودها في منطقة الساحل الإفريقي، نظرًا لكونها مفترق طرق يربط بين الأقاليم الـ5 للقارة.

امیرعبداللهیان

دعم الملف النووي

طمحت إيران إلى اقترابها من روسيا، وكسب حليف يساعدها على حل الملفات العالقة، ومنها الملف النووي، فزيارة وزير الخارجية الإيراني لموسكو، 15 مارس، كانت تهدف إلى مناقشة المطالب الروسية من المفاوضات النووية لحلحلة هذا الملف، بدلًا من تحوله إلى ورقة في يد روسيا لإدارة معركتها مع الغرب.

وأشارت تقارير إلى أن إيران وضعت “خطة احتياطية“، تعتمد على مساعدة روسيا في الحصول على مواد نووية إضافية، وذلك من أجل تقصير زمن الوصول إلى العتبة النووية، فالتزمت إيران سياسة خفض الالتزام النووي منذ الخروج من الاتفاق النووي، بهدف الوصول إلى عتبة الاقتراب من إنتاج السلاح النووي.

61568066 303

دعم الحوار الإقليمي

بعدما توقف محادثات الحوار بين طهران والرياض، تصاعد التوتر بين البلدين، ما دفع روسيا نحو الدخول على خط الوساطة والحوار بين الدولتين الجارتين، فصرح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوجدانوف، نوفمبر الماضي، بأن موسكو جاهزة لأن تصبح وسيطًا بين إيران والسعودية، لحل الخلافات بين البلدين.

ودخلت روسيا على خط الوساطة بين طهران والرياض، بعد تعزيز علاقاتها بكلا الطرفين، وكذلك اقتربت السعودية أكثر من معسكر روسيا بقرارها خفض إنتاج النفط، أكتوبر الماضي، رغم الأزمة التي يواجهها المعسكر الغربي، ما أزعج الولايات المتحدة الأمريكية.

ربما يعجبك أيضا