التحول الرقمي للحكومات والأمن القومي

كتب – أحمد بدر*

أصبح التحول الرقمـي مـن الألولويـات الرئيسـة للحكومـات، خاصة بعد جائحة كورونا التي عايشها العالم مؤخراً.

ويشمل ذلك التحول مؤسسات القطاع العام والخاص كافة، التي تهتم بالتطوير الاليكتروني، حتى تتماشى مع العصر الرقمي الذي يشهده العالم.

بناء ًعلى هذا التوجه والتحول فإن الأنظمة الرقمية تواجه خطراً يتمثل في الاحتيال الرقمي من خلال منظمات وأفراد هدفهم التخريب والتجسس باستغلال الأنظمة الرقمية.

إذ تواجه الحكومات والمؤسسات مخاطر مرتبطة بالاحتيال الرقمي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، الأمر الذي يحتم علينا كخبراء ومتخصصين توضيح هذه المخاطر، للتأكد من تركيز الجهود لمواجهتها واحتواء المخاطر التي تنشأ عن الأنظمة الرقمية.

التحول الرقمي للحكومات والأمن القومي

الاحتيال التقليدي والاحتيال الرقمي

الاحتيال التقليدي: هو استخدام أساليب الغش والمراوغة، كأداة لكسب وتحقيق منفعة غير مشروعة تكون عادة مالية، ويعتمد نوع الاحتيال على مقدرات الكيان المستهدف وأصوله المهمة.

الاحتيال الرقمي: هو خطر ينشأ عن استخدام المحتالين للبريد الاليكتروني والمواقع الاليكترونية والبرمجيات الخبيثة وغيرها من الأدوات البرمجية والاليكترونية والرقمية للحصول على المعلومات الشخصية للمستخدم، أو خداع المستخدم لتقديم معلوماته الشخصية، وذلك لاستخدامها في تحقيق غايات متعددة خاصة الغايات المالية غير المشروعة، وغايات أخرى تجسسية واستخباراتية.

خطورة التحول الرقمي وتسهيل عمليات الاحتيال

يعتمد التحول الرقمي على التقنيات والمهارات المتقدمة والذكية، إذ يتجاوز كونه مجرد تحويل العمليات القائمة إلى الشكل الرقمي، فهو يستهدف إعادة تشكيل وتحويل العمليات إلى أنظمة ذكية، تضمن الاتصال المستمر للأجهزة مع قابلية الوصول والتحكم بشكل كبير مع البيانات لضمان الكفاءة والربط والاتصال، وهنا تبدأ ظهور المخاطر بناء على هذا الاتصال والوصول والتحكم في البيانات.

نقطة أخري هامة تزيد من المخاطر في التحول الرقمي وهي: دخول الفئة الأكبر مجتمعياً داخل هذه التحول الرقمي، وهي الفئة غير المتخصصة علمياً والأقل وعياً بالاستخدام الرقمي في المعاملات، مثل صرف المعاشات للمواطنين عبر البطاقات المصرفية، وظهور تطبيقات المحافظ الاليكترونية والدفع المباشر التي يستخدمها فئات كبيرة غير متخصصة وغير واعية بمخاطر تقديم المعلومات الشخصية.

التحول الرقمي للحكومات والأمن القومي

مخاطر الاحتيال الرقمي على الأمن القومي

الاحتيال الرقمي أحد صور الحروب الحديثة والتي يفوق خسائرها الاقتصادية الحرب العسكرية!، وهي حروب اليكترونية تشن على الدول لاستنزاف مقدرات مواطنيها للتأثير على أمنها المالي والاقتصادي، والعمل على استنزاف الدخل القومي للمواطنين، بل يتعدي الأمر بالعمل على استنزاف رصيد الدول من النقد الأجنبي!

بل هناك دول أحد أهم مصادر دخلها يعتمد على الاحتيال الاليكتروني!، مثل دولة نيجيريا التي تنتشر فيها كبرى العصابات وشركات النصب العالمية، والتي يعد فيها محتالو الانترنت قدوة ومصدر إلهام للشباب!

فإن الاحتيال الاليكتروني والرقمي أحد أهم المشاكل العالمية التي تهدد العالم الاليكتروني، والتي تشكل خطراً يهدد الدول والمؤسسات والمصارف البنكية، والذي يعمل على إفلاس الدول وتدمير مقدراتها ومقدرات مواطنيها للتأثير على شكل اقتصادها القومي وأمنها الاقتصادي والإستراتيجي.

التحول الرقمي للحكومات والأمن القومي

صور ونماذج الاحتيال الاليكتروني

الصورة والنماذج عديدة منها البسيط ومنها المعقد، لكن بناء على ما تم ذكره في الأعلى من دخول الفئة الأكبر من المجتمع لعالم الرقمنة وهي الفئة البسيطة غير الواعية بخطورة تقديم المعلومات الشخصية

فتبدأ صور الاحتيال بأبسط الطرق وهي:

• رسائل الموبايل والمكالمات المباشرة، التي يرسلها أو يقوم بها المحتال، بتقديم نفسه بأنه يمثل جهة مصرفية، ليطلب من الضحية بيانات شخصية عن بطاقاتهم المصرفية، وهو أمر مشهود ومعروف في الفترة الحالية.
• ظهور محتالين بشكل مباشر عند ماكينات الصراف الآلي والمؤسسات الحكومية، لمساعدة المواطنين البسطاء في سحب أو دفع المستحقات الرقمية بعد الغاء الدفع النقدي وتحويله للدفع الاليكتروني عبر البطاقات المصرفية، وكل ذلك لسرقة بيانات البطاقات المصرفية.
• رسائل ترسل للضحية عبر برامج التواصل الاجتماعي، تطلب منه بيانات شخصية بحجة تقديم فائدة ربحية له وإدخال الضحية في مسارات من الوهم والحلم بالثروة.
• استنزاف الشباب بحجة المكسب السريع عبر شبكات الوهم الاليكتروني مثل القضية الشهيرة الأخيرة لشركة وهمية اليكترونية مثل “هوجو بول” والتي كانت تجمع الأموال عبر محافظ الدفع الاليكتروني.
• اختراق تطبيقات الدفع الاليكتروني وسرقة بيانات البطاقات المصرفية للعملاء المشتركين في التطبيق، وهذه الاختراقات تسمع عنها كل يوم في تطبيقات مختلفة، وهي تمثل أحد أهم مخاطر الأمن السيبراني نسبة لخطورة كم البيانات التي يتم تسريبها لمشتركين بالملايين يتم الحصول على بياناتهم في عملية واحدة.

النماذج كثيرة ومشهودة حتى للفرد البسيط وأصبحت تمثل قضايا الساعة، ولكن ذكرنا هذه النماذج لانتشارها واستغلالها للفرد البسيط

مواجهة الاحتيال الاليكتروني؟

من القواعد الأساسية في عالم الأمن السيبراني، أن الحماية الرقمية ليست منتهية وليس أمر مقضي، ومن يزعم ذلك فهو واهم أو يخدع المجتمع بالوهم.

فعالم البرمجيات عالم مبني على العقل البشري الذي يتفوق على نظيره كل يوم، فالذكي يظهر من هو أذكي منه، ولذلك التطور لا يتوقف عند حد معين، بل كل يوم طفرات وتعقيدات، تحث الدول والمؤسسات على التطور البرمجي والأمني لمواجهة هذا التطور المخيف وغير المتوقف، ووجوب العمل على نشر الوعي الرقمي بين المجتمعات.

ونتاج لذلك ظهرت أقسام أمن الانترنت داخل مؤسسات الوزرات الأمنية، والتي بدأ المجتمع يتعرف عليها ويلجأ إليها بعد وقوعه في براثن الاحتيال الاليكتروني، لكن ما نهدف إليه كما يقولون دائماً: “الوقاية خيراً من العلاج!”.

فيجب بدايةً تقديم ونشر الوعي للحد من مخاطر الاحتيال الرقمي، بتوعية أفراد المجتمع بكيفية التعامل مع عالم الرقمنة، والحرص على عدم تقدم المعلومات الشخصية لأي جهة، وعدم الاحتفاظ بالبيانات الشخصية الرقيمة على أجهزة الموبايل أو داخل التطبيقات الاليكترونية.

بجانب الاهتمام بمجال البرمجيات الاليكترونية والأمن السيبراني بتسليط الضوء على قوة الموارد البشرية التي نملكها باظهار أهمية الكليات الهندسية في مجال البرمجيات والأمن السيبراني، بالتوسع في الاعتماد عليها وعلى خريجيها في مواجهة مخاطر الهجمات الاليكترونية وشركات النصب والاحتيال الدولية.

والسعي بإنشاء الأقسام الأمنية الرقمية والاليكترونية داخل الكيانات الحكومية والمؤسسات، والتي تعمل على تأمين المعلومات وعلى كشف الاختراقات والحد من الثغرات الأمنية، وكل ذلك تحت مفهوم إظهار أهمية إدارة المخاطر كعلم حديث وهام من علوم الإدارة، والذي يعمل على تجنب حدوث المخاطر والكوارث قبل وقوعها.

*استشاري وخبير تطوير النظم البرمجية والإدارية

badrmedia@dewsoft.net