التكنولوجيا وصناعة الإرهاب الطاقوي في مواجهة الأمن القومي

يوسف بنده

كتب – أحمد بدر*

إن تتبع موارد الطاقة هو الهدف المشهود حالياً للدول الكبرى للاستيلاء عليها، وهو أحد المحركات التي ترسم العالم الجديد، وبناء عليه ظهرت مصطلحات جديدة شائعة اليوم كالشرق الأوسط الجديد، والشرق الأوسط الكبير.

وبناء على هذا التحرك للاستيلاء على موارد الطاقة ظهر مفهوم الإرهاب الطاقوي الذي هو أحد صور الإرهاب العابر للحدود والذي ينتشر ويظهر في أماكن موارد الطاقة.

التكنولوجيا وصناعة الإرهاب الطاقوي في مواجهة الأمن القومي3 scaled

التكنولوجيا وصناعة الإرهاب الطاقوي في مواجهة الأمن القومي

الإرهاب الطاقوي صناعة مخابراتية

إن ظهور المنظمات الإرهابية في أماكن مصادر وخطوط الطاقة سواء في دول الشرق الأوسط كسوريا وليبيا والعراق واليمن وسيناء بمصر، وفي دول المغرب والساحل الأفريقي خاصة مالي، وما يعقب ذلك من التدخل الغربي في هذه المناطق، لهو أحد المؤشرات على وجود مخطط يرسم لهذه التنظيمات كيفية التواجد والتحرك بناء على خريطة محددة.

وهذا لم يعد تكهنات، بل هو ما تبنته الإدارة الأمريكية بداية من تصريحات عام 2005 على لسان وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس عن مفهوم الفوضى الخلاقة (Chaos) ، وإعادة رسم المنطقة من جديد.

ويعقبه بعد ذلك اعترافات وإقرار وزيرة الخارجية الأمريكية في إدارة أوباما هيلاري كلينتون عن ضلوع واشنطن في هذه الأدوار والأنشطة، وذلك إبان إفادة سرية لها أمام الكونغرس أدلت بها في أبريل من عام 2013، وتم تسريب جل محتوياتها لاحقا

عمدت كل من واشنطن وتل أبيب إلى تبني استراتيجية مضادة تقوم على اختلاق فاعلين عسكريين غير نظاميين لمواجهة الجيوش العربية النظامية واستنزافها دون الاضطرار إلى انتهاك المعاهدات الدولية

الإرهاب الطاقوي

التكنولوجيا وصناعة الإرهاب الطاقوي في مواجهة الأمن القومي

اللعب بالنار والشباب هم وقود هذه النار

 بناء على ما تم عرضه في الأعلى فإن الأنظمة الاستخباراتية الغربية لجأت إلى اللعب بالنار، عن طريق تكوين جماعات منظمة تعاديها مباشرة وتبني خطابها الرئيسي ضدها، لكن لأنها تملك أدوات الاستخدام تري أنها تستطيع التحكم في هذه النار التي تلعب بها بناء على الخبرات السابقة في التعامل مع هذه التنظيمات واستخدامها عبر تجارب القرن السابق.

الاستخدام وهو أخطر مفهوم من مفاهيم الفوضى الخلاقة والذي يقع فيه الشباب ظناً منه أنه هو العنصر الفاعل والمحرك ثم سرعان ما يتبين له أنه تم استخدامه بطريقة غير مباشرة، ولكن بعد فوات الأوان.

التكنولوجيا وصناعة الإرهاب الطاقوي في مواجهة الأمن القومي2

التكنولوجيا وصناعة الإرهاب الطاقوي في مواجهة الأمن القومي

التكنولوجيا وصناعة الإرهاب
استخدمت الأنظمة المخابراتية التكنولوجيا في تكوين تنظيمات تأخذ الشكل العنقودي اللامركزي في تكوين هذه التنظيمات وهذا مشهود في مفهوم تكوين تنظيم “داعش”.

لذا فإن الإرهاب العابر للحدود يتسم بهذه الميزة الجديدة، وهي الخروج من مفهوم الهيكل الهرمي ذي المركزة الشديدة إلى الشكل العنقودي اللامركزي، ليساعده ذلك على اتساع التحرك في مناطق مختلفة في نفس الوقت والقدرة علي التكيف مع البيئات المختلفة، وبالفعل تم ذلك عبر استخدام التكنولوجيا ومفاهيم الانترنت الحديثة.

لقد ساعدت تكنولوجيا الانترنت ليس فقط في تكوين هذا المفهوم الجديد للتنظيمات، بل أيضاً سرعة تكوين هذا الشكل الجديد للتنظيم، وهذا ما يبين خطورة التكنولوجيا والتأثير عن طريقها، وما تستهدفه الأجهزة المعادية.

لا تقوم الأنظمة المخابراتية الغربية التي تُكون وترعى هذا النوع من الإرهاب بإنشاء مفاهيم جديدة، بل تحرف مسار المفاهيم الموجودة خاصة الدينية وغيرها من المفاهيم وتغذي المسار المطلوب أمام المستخدم لعالم الانترنت، ولكن كيف تصطاد الشباب وتوقعهم في هذا الفخ؟

يجب أن يكون من المسلمات لديك أن أدوات التكنولوجيا الكبرى كلها تقع تصرف الأجهزة المخابراتية الغربية والأمريكية خاصة

فالمستخدم لعالم الانترنت دائماً ما يشكو من التجسس عليه بظهور إعلانات عن أشياء تكلم عنها مع صديق له دون البحث عنها على الانترنت، فقط مجرد الحديث عنها ظهرت له هذه المواد الإعلانية.

هذا بالضبط ما يحدث وما تستخدمه الأنظمة الاستخباراتية في طريقة تسليط الفكرة والانضمام لهذه التنظيمات

فالمنطقة المطلوب تحريك تنظيم محدد فيها تظهر المواد الإعلامية التي تستهدف الشباب بناء على السن وعلى الاهتمامات الدينية في عالم الانترنت، وتكثيف المواد الإعلامية التي تطارده في كل مكان من عالم الانترنت من تصفح للمواقع ومحركات البحث إلى مواقع التواصل وحتى برامج المحادثات المشفرة !

إن مفاهيم التسويق الحديثة للمنتجات عبر الانترنت هي نفس الوسيلة التي تستخدمها هذه الأجهزة المعادية في عملية تكوين الأفكار والتجنيد وتكوين هذه المنظمات، عبر تثبيت العين على الفكرة ومداعبة الاهتمامات الحالية والضغط والتكثيف على العقول الحالمة لفكرة ما.

قوات داعش

التكنولوجيا وصناعة الإرهاب الطاقوي في مواجهة الأمن القومي

برامج المحادثات المشفرة

ظهرت برامج المحادثات المشفرة مثل تليجرام وسيجنال ولاين وسايبر ديست وغيرها من البرامج وحتى الواتس أب في نسخته الأخيرة، كبرامج محادثات أمنة تقدم للمستخدم الاستخدام الآمن بمفهوم تشفير المحادثات ومفهوم التواصل الآمن دون التجسس على المحادثات من طرف ثالث، لكن هل هذا الأمر حقيقي؟

تقنياً هذا بالفعل حقيقي، لكن هو أحد الافخاخ التقنية التي ظهرت في العقد الأخير، فأغلب التنظيمات تستخدم هذه البرامج المشفرة في نشر موادها الإعلامية وفي التواصل فيما بينها، ظناً منها أن قنوات تواصل غير قابلة للتجسس، وهذا هو الهدف المنشود منها وهو لجوء الأفراد والتنظيمات لهذه الأدوات، لما ذلك؟

إن الأنظمة الاستخباراتية بعد أن استخدمت التكنولوجيا في تسويق ونشر الأفكار المطلوبة، تقوم بعد ذلك بتيسير قنوات التواصل للأفراد المطلوب تجنيدهم داخل هذه التنظيمات عن طريق وسائل تواصل ظاهرها أنها آمنة، ولكن هنا هي تستطيع ادخال عناصرها المباشريين للتواصل مع الأفراد وتوجيههم نحو ما تهدف إليه من التجنيد.

داعش في العراق

التكنولوجيا وصناعة الإرهاب الطاقوي في مواجهة الأمن القومي

لكن كيف هي بالفعل تحصل على رسائل التواصل رغم أنها برامج مشفرة وآمنة؟

يتم ذلك عبر وسائل مختلفة منها:

– أنظمة التشغيل نفسها التي يعملها عليها هذه التطبيقات، وفضيحة تجسس هذه الأنظمة أصبحت شيء معروف حتى للمستخدم البسيط.

– برامج تجسسيه يتم زرعها على الأجهزة، وهذه أصبحت من الأشياء السهلة في ظل هذه التقدم الحالي.

– عبر شركات التطبيقات نفسها والحصول على مفاتيح وطرق التشفير مثل ما تعهدت به شركة تليجرام تجاه جهات أمنية عديدة.

إن هذا بالفعل هو اللعب بالنار الذي تلعب به هذه الأجهزة، حيث تعمل على استخدام التكنولوجيا في بناء التنظيمات التي تمكنها من التواجد في المناطق المطلوب التحكم فيها باسم محارب الإرهاب، وفي النهاية يتضح أنه تواجد في مناطق مسارات وممرات الطاقة، وما هذه التنظيمات إلا أدوات مستخدمة تحت اسم الإرهاب الطاقوي.

كوريلا: الوضع في الشرق الأوسط يزداد صعوبة وداعش خراسان يهدد المصالح الأمريكية

التكنولوجيا وصناعة الإرهاب الطاقوي في مواجهة الأمن القومي

الأمن القومي ومواجهة هذا الخطر

نتاج هذا الخطر كان مشهود للجميع في العقد الأخير وبيان مدي تأثيره في منطقة الشرق الأوسط، وأيضاً في مصر خاصة في مناطق سيناء، وهنا ظهر دور الدولة والأجهزة في مواجهة هذا الخطر بقوة وحزم، ونتاج هذه المواجهة معلوم ومشهود، وما تكبدته الدولة في القضاء على ذلك المخطط، لكن في هذا المقال نسلط الضوء على كيف استخدمت الأجهزة المعادية التكنولوجيا في استخدام الشباب كوقود لهذه التنظيمات المستخدمة من قبل الأجهزة الغربية.

إن مواجهة هذا الخطر لا يكون بالتحركات الغير واعية بروح ومقدرات العصر، كما نري بقيام بعض الدول بحظر هذه البرامج والتطبيقات، فنحن في عصر عالم مفتوح لا تستطيع التحكم فيه بهذه الصورة الذهنية البسيطة.

ولا بالتصورات التقليدية التي دائماً تردد أن هذه التنظيمات تخرج من باب الفقر والجهل، فهذا التصور بديهي تقليدي لا يقدم جديد في مواجهة عصر التكنولوجيا الجديد.

ولا حتى بالمعالجة الأمنية التي تأتي دائماً كرد فعل للحدث بعد أن يكون المجتمع وقع في هذا الخطر بالفعل.

بل يجب توعية الشباب بهذه الأدوات التكنولوجية المستخدمة ضده، وتوعيته كيف يمكن أن يتم استخدامه لتجنيده عبر أنظمة دولية تعمل على تكوين هذه التنظيمات، وتحركها كعرائس المسرح، ويظن أفرادها أنهم هم العناصر الفاعلة والمحركة للحدث، والحقيقة على عكس ذلك.

فيجب تقدم هذه التوعية عبر خبراء متخصصين يظهرون ما يدور خلف الكواليس من ألاعيب التقنية والتكنولوجيا الحديثة، وليس عبر جهات تقليدية تقدم المعلومات بصورة سطحية، فإن ذلك يأتي بنتيجة عكسية لظهور سطحيتهم أمام شباب صاحب عقلية جديدة ومختلفة وأحدث من عقلية المتكلم.

فيجب تقديم هذه التوعية بكل الوسائل المتاحة من اعلام وندوات وهيئات بحثية، لإذكاء روح الوعي بين الدولة والمواطن، لتكوين مناعة دينية ومجتمعية ووطنية أمام هذه المخططات.

*استشاري وخبير تطوير النظم البرمجية والإدارية

badrmedia@dewsoft.net

ربما يعجبك أيضا