تكنولوجيا الطائرات المسيّرة وتحديات الأمن القومي المصري

سلاح الطائرات المسيّرة.. تغييرات في موازين القوى وتحديات للأمن القومي

يوسف بنده

اتضح تحدى الطائرات المسيرة للأمن القومي المصري، بعدما ساهم هذا السلاح في تحول الاستراتيجيات العسكرية بمنطقة الشرق الأوسط، ما نتج عن ذلك تهديد بإعادة رسم للتوازنات العسكرية في المنطقة.


 بقلم/ أحمد بدر

رغم تنوع الأسلحة والمنظومات الدفاعية المطورة عبر أجيال الحروب منذ الحرب العالمية الأولى، إلا أن الطائرات المُسيّرة أو الدرونز والأسلحة المجابهة لها، أصبحت بشكل ملحوظ هي حديث العالم اليوم وصاحبة الاهتمام الأول داخل معارض الأسلحة الدولية، خاصة بعدما أدت أدوارًا بارزة في عدد من النزاعات العالمية والإقليمية، بدايةً في العصر الحالي من النزاع الروسي الأوكراني وصولًا إلى حرب غزة.

WhatsApp Image 2024 04 13 at 9.23.26 PM

متى بدأ تطوير وظهور هذا السلاح

يعود تطوير سلاح الطائرات المسيّرة إلى أواخر السبعينيات أو أوائل الثمانينيات، حيث عملت كل من إسرائيل وإيران على تطوير طائرات بدون طيار منذ ذلك الوقت، ومن المهم أن نعرف أن البلدان يعتبران أنظمة الأسلحة عن بعد جزءًا لا يتجزأ من الدفاع الوطني.

ثم بعد ذلك بدأ الظهور الأوضح لاستخدام الطائرات المسيّرة مع ما يعرف بالربيع العربي، خاصة في الصراع الدولي على الأراضي السورية.

وطبقًا لتاريخ صناعة وتطوير المسيّرات هناك 5 دول لها السبق في تطوير وانتاج الطائرات المسيّرة، وهي الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا والصين وإيران، ثم انضم الآن الثلاثي العربي الصاعد مصر والسعودية والامارات.

المسيرة 6 أكتوير المصرية

دخول الذكاء الاصطناعي في تطوير المسيرات

لقد مرت المسيرات بمراحل مختلفة يظهر فيها المشاكل التي تعوق استخدامها والاعتماد عليها كسلاح رئيس، لكن بعد دخول عالم الذكاء الاصطناعي في تحديث المسيرات.

استطاع هذا التطوير من القضاء على نقطة ضعف المسيرات الأهم، وهي المتمثلة في الاصطدام المباشر خلال التحليق في أسراب.

سابقًا كانت الطائرات دون طيار مهما بلغ تطورها تعاني من العمل في الأماكن الضيقة والمجال الجوي المزدحم الذي يحوي العديد من الأجسام أو الطائرات المشابهة دون أن تتعرض لاحتمالية الاصطدام بالأجسام أو حتى ببعضها البعض.

فقدم معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا Caltech بتقنية الذكاء الاصطناعي AI وإيجاد خوارزمية متطورة للتعلم الآلي تتيح لجهات الإنقاذ والمؤسسات العسكرية استخدام أسراب من الطائرات المسيرة دون طيار دفعة واحدة دون أي مشكلة.

تمنح الخوارزمية الجديدة استقلالًا ذاتيًا لكل طائرة دون طيار يجعلها قادرة على التنقل بدقة شديدة داخل المساحات الضيقة أو المجال الجوي المزدحم، وتجنب الاصطدام بأي أجسام أو طائرات أخرى مجاورة.

بل يتطور الأمر بمفهوم ذاتية القيادة كما هو معروف في السيارات المتطورة.

احمس المصرية

المسيّرات توأم السلاح النووي

لم يعد فقط حجم الدول أو القوات هو الفيصل في القدرات العسكرية، فهناك دول صغيرة جدًا بمجرد امتلاكها لسلاح الردع النووي، يجعلها دولة ذات شأن عسكري كبير ولا يتم التعامل معها عسكريًا بداية نظرًا لخطورة ما تملكه من سلاح رادع.

هذا بالضبط ما تمكنه المسيرات لمن يملكها فهي توأم السلاح النووي وتقدم لمن يملكها ويطورها ما يقدمه السلاح النووي، فهي من الممكن أن تجعل دولة صغيرة جدًا كأنها تملك جيشًا كبيرًا من البشر، بل وتحقق وجود عسكري وسياسي كبير في منطقتها والعالم.

فالطائرات المسيّرة هي طائرات صغيرة بدون طيار بلا تكلفة تُحلق في السماء بلا رادع، تقلع وتهبط في بلدة أو غابة أو على ظهر مركب في البحر تتجسس وترصد وتستهدف، بل وتغيّر مسار المعارك على الأرض.

لا يحتاج هذا السلاح إلى جيش جرار إنما فقط من يسيرها من على الأرض، أو حتى ربما لا تحتاج إلى ذلك بعد تطوير خوارزميات القيادة الذاتية.

انتشار الطائرات بدون طيار بشكل غير منضبط في جميع أنحاء الشرق الأوسط اليوم، خاصة في يد المليشيات المسلحة التي تدعمها دول هي مصنعة ومطورة لتقنية هذه الطائرات المسيرة.

المسيرة نوت المصرية

تحديات المسيرات للأمن القومي المصري

 ظهرت تحديات المسيرات للأمن القومي المصري حين غيرت المسيرات من الاستراتيجيات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وما ينتج عن ذلك من خطورة بإعادة رسم للمنطقة.

فشهد العالم العربي تطور خطير في استخدام المسيرات سواء كان في عمليات الاغتيالات، مثل اغتيال قاسم سليماني وصالح العاروري، أو عمليات الاستهداف الكيميائية في سوريا 2018 وفي ليبيا 2019، بجانب استهداف السفن في باب المندب، وما لذلك من تأثير على الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.

طبقاً لسيناريو الأحداث التي استخدمت فيها المسيرات يظهر لنا أنها في المستقبل ستكون أكثر ضراوة وخطورة في سيناريو رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد.

الواقع الأخطر يظهر أن سماء المنطقة العربية كما الأرض متاحة بلا روادع حقيقية وبخاصة بعد نزاعات سياسية مسلحة مضنية اجتاحت كلاً من العراق وسوريا واليمن وليبيا وأخيرًا السودان، وأدت إلى تراجع قدرة جيوش هذه الدول.

من تحديات هذا السلاح للأمن القومي أنه لا توجد أنظمة واضحة مباشرة حتى الآن لمكافحة هذه المسيرات.

6 اكتوبر في معرض ايديكس

مصر تنافس نادي الكبار

دخلت مصر هذا التحدي، نظرًا لأهمية هذا السلاح وظهور مدي تأثيره على التغييرات في المنطقة العربية والشرق الأوسط وحالة الصراع الموجودة في المنطقة.

سابقًا عقدت مصر شراكات مع دول كبرى في مجال تصنيع السلاح بشكل عام والحصول على تصاميم حديثة ورخص التصنيع، وهذا ما أوجد بيئة مناسبة لصناعة المسيرات، فقد أنتجت مصر مسيرة 6 أكتوبر، وهي طائرة استطلاع بدون طيار، تبلغ أقصى سرعة لها 260 كيلومترًا في الساعة ويمكنها أن تحلق لمدة 30 ساعة متواصلة بمدى عمل 240 كيلومترًا.

وعرض الجيش المصري في معرض إيديكس 2023 الطائرة الهدفية طابا 1، والطائرة طابا 2، لدى الطائرة الأولى القدرة على اكتشاف وتتبع الأهداف الجوية وتدميرها وتبلغ سرعتها 500 كيلومتر في الساعة وتحلق لمدة 50 دقيقة بارتفاع 6 كيلومترات، أما “طابا 2″، فتبلغ سرعتها 850 كيلومترًا في الساعة ويمكنها التحليق حتى 8 ساعات متتالية.

والنوع المصري الأخير هو “أحمس”، وهي طائرة استطلاع بدون طيار، يصل مداها إلى 240 كيلومترًا في الساعة، وأقصى سرعتها 260 كيلومترًا، ويمكنها العمل حتى ارتفاع 7 آلاف متر.

ايديكس 2023

ما أظهرته مصر في معرض إيديكس 2023 من ظهور مشرف، يظهر ويوضح للعالم أن هناك طفرة نوعية للسلاح المصري وأن هناك تطوير مستمر للمسيرات المصرية، وكان هذا جليًا في الظهور المميز والمتنوع لقدرات المسيرات المصرية، خاصة أنها مسيرات مصرية ذات تصميم محلي خالص.

* بناء على ما سبق من عرض، يظهر أن مصر استطاعت مواجهة هذا التحدي بصورة مشرفة، بل وظهرت في صورة متقدمة عبر النسخة الثالثة لمعرض إيديكس وظهر مدى الاهتمام بمجال البرمجيات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي في تطوير هذه المسيرات والاستقلال في انتاجها وتسليط الضوء على قوة الموارد البشرية التي نملكها باظهار أهمية الكليات العسكرية الفنية والهندسية في مجال البرمجيات والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، والسعي للتوسع في الاعتماد عليها في صناعة وتطوير الأسلحة الذكية.

*استشاري وخبير تطوير النظم البرمجية والإدارية

badrmedia@dewsoft.net

ربما يعجبك أيضا