التيك توك.. حرب باردة بين الصين وأمريكا

حظر التيك توك في الولايات المتحدة.. الحرب الباردة الجديدة

يوسف بنده

نحن أمام حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين لن يكون عنوانها تايوان أو المصالح الاقتصادية وإنما تيك توك، هذا التطبيق الذي يتصدر اهتمام العالم الجديد.


كتب – أحمد بدر

تطورت الحرب الحديثة بمفهوم جديد وهي الحرب المعلوماتية المعرفية، إذ بجانب تدمير الجثث، ظهر سلاح شل حركة عقل الخصم والسيطرة عليه، وبجانب السيطرة على الأراضي، ظهر سلاح السيطرة على العقول والمعلومات، إنه عصر الحرب الباردة الحديثة.

الأمر الذي بدأت تنفذه الصين تجاه الغرب والولايات المتحدة عن طريق تطبيق تيك توك الذي يحظى بملايين المستخدمين داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي هي إمبراطور سلاح التكنولوجيا في العالم.

تيك توك والحرب الباردة 6

حظر التيك توك في الولايات المتحدة.. الحرب الباردة الجديدة

التحرك الأمريكي تجاه التطبيق وازداوجية المعايير

رغم أن التطبيقات الأمريكية اليوم تغزو العالم وتسيطر على نمط ومسار الحياة اليومية لمليارات البشر بجانب كونها من أداوت التجسس وجمع المعلومات المخابراتية.

إلا إن الهيمنة الأمريكية لم تتحمل وجود منافس لها كالمنافس الصيني، خاصة بعد اختراقه للأراضي الأمريكية بتطبيق التك توك، الذي أصبح مسيطر بصورة قوية على عقل ومسار حياة الشباب الأمريكي.

وتحت إلحاح الأمن القومي الأمريكي عملت الحكومة الأمريكية على مشروع قانون يقف أمام هذا المد الصيني حيث وافق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة الأربعاء 13 مارس 2024 على مشروع قانون يمنح شركة بايت دانس الصينية المالكة لتيك توك مهلة ستة أشهر لتصفية الأصول الأمريكية لتطبيق الفيديوهات القصيرة، أو مواجهة الحظر.

تيك توك والحرب الباردة 5

حظر التيك توك في الولايات المتحدة.. الحرب الباردة الجديدة

الحرب الباردة وصراع الأقوياء

كان الرد الرسمي للصين، أن على الولايات المتحدة احترام مبادئ اقتصاد السوق والمنافسة العادلة بشكل صادق والتوقف عن قمع الشركات الأجنبية بشكل غير منصف، وعليها أيضا توفير بيئة منفتحة وعادلة ومنصفة وغير تمييزية ضد الشركات الأجنبية للاستثمار والعمل في الولايات المتحدة.

المستمع لهذا الرد يظن أنه يسمع لدولة من دول الحريات، لكن الصين نفسها تحظر كثير من التطبيقات الأمريكية مثل الفيس بوك وتويتر واليوتيوب، أيضاً لنفس السبب وهو الأمن القومي.

فالأمر لا يخرج عن كونه حرب باردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، كحرب معلوماتية ومعرفية بين الطرفين. وفي مؤشر لنا على أن صاحب القوة وحده مَن يلتفت له العالم وينتبه لتصرفاته وكلماته، عملت الولايات المتحدة على تحريك دول أخرى مثل كندا وإيطاليا وبريطانيا والهند ضد التطبيق إما بالحظر أو فرض العقوبات، إنها حرب تكنولوجيا المعلومات كأداة من أدوات الصراع.

نحن أمام حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين لن يكون عنوانها تايوان أو المصالح الاقتصادية وإنما تيك توك، هذا التطبيق الذي يتصدر اهتمام العالم الجديد.

تيك توك والحرب الباردة 4

حظر التيك توك في الولايات المتحدة.. الحرب الباردة الجديدة

العقيدة الأمريكية والانتخابات الرئاسية

 العقيدة العسكرية الأمريكية أنشأت على الهيمنة الأحادية، بتنصيب نفسها عسكري العالم والقوة العظمى الأولى والأوحد، يفصلها المحيط عن أعدائها، ولا تحارب على أرضها أي عدو، حتى أصبح السلاح الرئيسي للجيش الأمريكي هو قوات المشاة البحرية “المارينز” أي إننا نعبر المحيط ونذهب لعدونا ولا يأتي إلى أرضنا أحد.

ولذلك كان اختراق تطبيق التيك توك للمجتمع الأمريكي، أمر مفزع ومدمر لهذه العقيدة، حيث إن مقدار حجم خطر التجسس الناتج عن جمع معلومات المستخدمين وعبورها المحيط إلى الصين، يوازي خطورة تأثير الاختراق الإعلامي على الرأي العام في المجتمعات الغربية خاصة في أمريكا!

إذ يعرف المتخصصون والمراقبون للانتخابات الأمريكية مدى قوة سحر وآلية وسائل الإعلام الأمريكية الجبارة في تزوير الإرادة الانتخابية وتوجيه الناخب بناء على الرغبة المطلوبة.

ماذا لو تدخلت الصين في هذه الإرادة وأرادت التحكم في هذه الانتخابات، خاصة أنها تملك وتسيطر على أكثر من نصف سكان أمريكا عبر تطبيق التيك توك، بصورة حقيقية وفعلية على عقول الشباب؟

حيث تعدى عدد المستخدمين الأمريكيين 170 مليون مستخدم للتطبيق من عدد سكان 340 مليون، بل تعدى الأمر وفقاً لآخر إحصائية أن أمريكا هي المستخدم الأول للتطبيق!

الأمر الذي جعل الحكومة الأمريكية تصف تحرك التطبيق أنه الأخطر على الأمن القومي الأمريكي.

تيك توك والحرب الباردة 2

حظر التيك توك في الولايات المتحدة.. الحرب الباردة الجديدة

سر خطورة التيك توك عن بقية التطبيقات التجسسية

لا شك أن تيك توك تطبيق يثير الجدل ويشغل العالم اليوم، وأن محتواه لا يتوافق في كثير من الأحيان مع مفاهيم بعض الدول.

لكن يكمن سر خطورة هذا التطبيق ” التيك توك “، في تبنيه مفهوم تغيير سلوك المستخدمين، بأن قام بإنشاء نمط حياتي وعقلي جديد لمستخدميه، وهذا مُشاهد ومعروف للمتخصصين والباحثين في سلوك مستخدميه.

حيث يتضح أن أخطر ما قام به هذا التطبيق هو تكوين حالة من الجوع للشهرة والظهور لدى الناس، وبالتحديد الشباب، حتى لو كان ذلك على حساب المضمون والمحتوى اللائق والمفيد، المهم عندهم عدد المشاهدات والتصدر في عالم الانترنت “التريند”.

ربما نري له بعض الفوائد، فنجد بعض الحسابات في تيك توك هادفة، كما أنه فتح آفاقًا وفضاءً واسعا لإيصال أفكار جديدة، وأيضاً كسب أرباح تفوق في بعض الأحيان ما توفره لك الوظيفة أو أي عمل آخر، لكن هذا لا يوازي حجم الضرر الذي أنشأه داخل المتجمعات، خاصة المجتمعات العربية.

وما يؤكد نجاح هذا التطبيق بفكرته الجديدة في السيطرة على عقول الشباب والمستخدمين، أنه حتى الآن لم يظهر منافس له يزيح التطبيق من الاستحواذ على عقول الشباب، ولا حتى استطاعت التطبيقات الشهيرة مثل اليوتيوب وغيرها تحقيق ذلك.

فحتى لو نجحت الولايات المتحدة بحظر تيك توك الذي يتمتع بشعبية كبيرة بين أبناء الجيل الجديد من الشباب الأمريكي ويتحدى هيمنة وادي السيليكون، كيف لها أن تقنع هذا الجيل الشاب بالتخلي عنه، وما البديل الذي ستقدمه له، وهل هو قادر على منافسة تيك توك؟

تيك توك والحرب الباردة 1

حظر التيك توك في الولايات المتحدة.. الحرب الباردة الجديدة

التيك توك في مصر

تجاوز عدد المستخدمين لتطبيق التيك توك في مصر عدد 20 مليون مستخدم، وهو رقم كبير خاصة مع سرعة النمو لاستخدامه داخل مصر، وهذا يظهر أن الهيمنة الصينية دخلت المجتمع المصري جنباً إلى جنب مع الهيمنة التكنولوجية الأمريكية.

ولا يخلو الأمر من نفس مخاطر الأمن القومي، التي تُحدثها بقية التطبيقات التجسسية الأخرى، من جمع بيانات المستخدمين، وتوجيه الرأي العام والسيطرة على عقول المستخدمين.

لكن الصورة الأخطر حالياً هي كما ذكرنا من قبل: تكوين حالة من الجوع للشهرة والظهور لدى الناس وبالتحديد الشباب، حتى لو كان ذلك على حساب المضمون والمحتوى اللائق والمفيد، وهذا مشاهد اليوم ومعروف حتى أصبح الأمر عبئًا على الأسرة المصرية ما بين التوجيه والمنع، فنجد الأطفال يفتحون قنوات خاصة لهم يبثون منها ما يدور داخل بيوتهم دون أي وعي أي توجيه أو رقابة.

* استشاري وخبير تطوير النظم البرمجية والإدارية

badrmedia@dewsoft.net

ربما يعجبك أيضا