الحلم الأوراسي يتلاشى… كيف فقدت موسكو نفوذها في آسيا الوسطى؟

آية سيد
روسيا تخسر النفوذ في آسيا الوسطى

في الوقت الذي تحاول روسيا مواجهة جهود الغرب لعزلها دبلوماسيًَا على الساحة الدولية، يبدو أنها تخسر النفوذ في أكثر منطقة تعتمد عليها، وهي آسيا الوسطى.


قالت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية إن روسيا بدأت في خسارة نفوذها وسطوتها في دائرتها السوفيتية القديمة، في ظل الانشغال بالحرب الدائرة في أوكرانيا.

وأوضحت المجلة في مقال للكاتبين روبي جرامر وجاك ديتش، نُشر يوم الخميس 6 أكتوبر 2022، أن تراجع النفوذ الروسي بدا جليًا في مواقف الدول السوفيتية الشابقة من الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم تدخل موسكو لحل الأزمات الأخيرة في المنطقة، ما خلق فراغًا شغلته دول أخرى، مثل الصين.

درس قاسي

رأى الكاتبان، في مقالهما، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يتعلم الدرس بالطريقة الصعبة في آسيا الوسطى، “ففي الوقت الذي يحاول مواجهة جهود الغرب لعزله دبلوماسيًّا على الساحة الدولية، يبدو أنه يخسر النفوذ في أكثر منطقة يعتمد عليها.”

وأشارا إلى أنه رغم علاقاتها الاقتصادية والسياسية القوية بالكرملين، فإن دول آسيا الوسطى الـ5، وهي كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمنستان وأوزبكستان، لم تنحاز إلى روسيا في قرارات مجلس الأمن، التي أدانت الحرب في أوكرانيا، مارس وإبريل الماضيين، ما عدّه الكاتبان مؤشرًا مبكرًا على قلق المنطقة من قرار الحرب.

تراجع نفوذ روسيا

اتفق الأكاديمي والخبير في شؤون أوراسيا، جانكو سيبانوفيتش، مع الرأي القائل بتراجع النفوذ الروسي في الجمهوريات السوفيتية السابقة، وقال في مقال لمجلة “ذا دبلومات“، إنه على المدى الطويل، ستزرع “مغامرة روسيا في أوكرانيا” بذور التراجع السريع لنفوذها في أوراسيا.

وأوضح سيبانوفيتش أن ما وصفه بـ”الأداء السيء” للجيش الروسي في الحرب بأوكرانيا، و”النجاحات الأخيرة” للقوات الأوكرانية في استعادة الأراضي “يثيرون الشكوك بشأن براعة روسيا كقوة عسكرية أو مسؤول عن أمن أوراسيا”.

الخروج عن مدار موسكو

في مقال “فورين بوليسي”، لفت الكاتبان إلى أن دول آسيا الوسطى لم تعد حريصة على البقاء في مدار روسيا. مشيران إلى رفض كازاخستان الاعتراف بالمناطق الانفصالية في أوكرانيا، التي تديرها حكومات موالية لموسكو. وفي الأسبوع الماضي، أشعلت حكومة كازاخستان خلافًا دبلوماسيًّا آخر مع موسكو، برفضها طرد السفير الأوكراني.

وفي أواخر أغسطس الماضي، شجب الرئيس الأوزبكي، شوكت ميرضيايف، قمع بلاده في العصر السوفيتي، في الوقت الذي تحاول موسكو تبييض ماضيها الستاليني. وبحسب الكاتبين، يبدو أن ميرضيايف يعمل في الوقت نفسه على تعزيز العلاقات مع الصين. ففي قمة منظمة شنجهاي للتعاون، سبتمبر الماضي، استقبل الرئيس الصيني عند وصوله، في حين لم يفعل الشيء نفسه مع بوتين.

إلغاء تدريبات عسكرية

في تطور جديد، ألغت قيرغيزستان، يوم أمس الأحد، من جانب واحد، تدريبات عسكرية مشتركة بين الدول الـ6 التي تشكل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تقودها روسيا، قبل يوم من انطلاقها على أراضيها. ووفق ما أوردت وكالة “أسوشيتد برس“، لم تحدد وزارة الدفاع القيرغيزية سبب القرار.

وبحسب تقارير سابقة، كان من المقرر أن تضم التدريبات جنودًا من أعضاء المنظمة المكونة من روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. وعدّ الكاتبان الأمريكيّان هذه الخطوة آخر مؤشر على تأجج التوترات داخل الحلف. ففي الشهر الماضي، تخلفت أرمينيا عن حضور تدريبات في كازاخستان، بعد انتقاد الحلف لفشله في الانحياز لها علنًا خلال الاشتباكات الحدودية الأخيرة مع أذربيجان.

عوامل تقوّض دور روسيا في آسيا الوسطى

بالعودة إلى تقرير “فورين بوليسي”، أشار الكاتبان إلى وجود 3 عوامل تقوّض دور روسيا كقوة أمنية إقليمية، كان أولها عدم التدخل في المواجهات العسكرية الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان، والاشتباكات الحدودية بين قيرغيزستان وطاجيكستان، نظرًا لانشغالها بـ”المأزق” الذي تواجهه في أوكرانيا.

وأشار الكاتبان في العامل الثاني إلى اعتماد دول آسيا الوسطى بشدة على روسيا لإبقاء اقتصاداتها “الهزيلة” صامدة، عبر التجارة والعمالة الموسمية والحوالات المالية. ولكن قرار الحرب أدى إلى فرض عقوبات غربية ودولية شاملة، وحظر على الصادرات، ما ضغط على الاقتصاد الروسي، واقتصادات “أوراسيا” بالتبعية.

التعبئة العسكرية الروسية

وفق الكاتبين، كان العامل الثالث هو حملة التجنيد الروسية “المروعة”. زاعمين أن جهود موسكو لتعبئة 300 ألف مجند على الأقل في أوكرانيا تحولت إلى حملة لاعتقال الأقليات العرقية، ومن ضمنهم مهاجرين من آسيا الوسطى، وإرسالهم إلى خطوط المواجهة.

وجادل الكاتبان أن حملة التجنيد تسببت في نزوح جماعي للرجال الروس، الذي ارتحل عشرات الآلاف منهم إلى جورجيا وأرمينيا، ودول آسيا الوسطى، التي أصبحت الآن تحت نوع جديد من الضغط الاقتصادي والسياسي، بسبب التدفق الضخم للمهاجرين.

دور الصين في آسيا الوسطى

بحسب مقال “فورين بوليسي”، أصبحت الصين القوة الاقتصادية الأبرز في منطقة أوراسيا إلى حد كبير، بفضل مشروعات مبادرة الحزام والطريق، في حين لم تعد روسيا جذابة كشريك اقتصادي كما كانت قبل الحرب.

وفي تصريحات لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، يوم السبت الماضي، أشارت المحاضِرة بأكاديمية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في العاصمة القيرغيزية بيشكيك، أسيل دولوتكيلديفا، إلى وجود “تقسيم ضمني” للعمل في المنطقة بين روسيا والصين، لتكون الأولى مسؤولة عن الأمن والأخيرة عن الاقتصاد، ولكن بعد الحرب الروسية الأوكرانية “لم تعد روسيا تؤدي دورها”.

إحراج بوتين

أشار تقرير “نيويورك تايمز” إلى أن بوتين تعرض لسلسلة من الأخطاء البروتوكولية المحرجة في أثناء مشاركته بقمة منظمة شنجهاي، سبتمبر الماضي، جعلته ينتظر أمام الكاميرات في حين تأخر القادة الآخرون في مقابلته. وفي هذا الشأن، قال الباحث في مركز “كروس رودز” في بيشكيك، إميل دزورايف: “لم يعد بوتين القائد الذي لا يقهر، الذي يرغب الجميع في مقابلته. لقد فقد هالته”.

وفي المقابل، أصبح الرئيس الصيني، شي جين بينج، أكثر جزمًا. ففي زيارته لكازاخستان، الشهر الماضي، تعهد بـ”دعم كازاخستان في الدفاع عن استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها”. وبعدها بأيام، بعد تقدم القوات الطاجيكية، أصدرت الصين تعهدًا مماثلًا لقيرغيزستان، مقتحمةً دور روسيا كحارس لحدود آسيا الوسطى.

ربما يعجبك أيضا