الذكاء الاصطناعي وكاميرات المراقبة وخطورتها على الأمن القومي

رؤية
الذكاء الاصطناعي

كاميرات المراقبة تتيح معرفة وتحليل تحركات الأفراد والمنظمات والهيئات الرسمية والحكومية وكل ما يخضع لمراقبة هذه الكاميرات من تصوير ومراقبة.


قدم الممثل العالمي مايكل ايمرسون في عام 2011 المسلسل الأمريكي Person of Interest، الذي يحكي عن دور الذكاء الاصطناعي في السيطرة على كاميرات المراقبة واستغلالها في التجسس.

ربما يري المشاهد العادي أن هذه الأفكار والأطروحات هي على سبيل الخيال العلمي أو أنها تمهد لأفكار تكنولوجية ستكون موجودة لاحقًا في الواقع، لكن الحقيقة أن ما يطرحه المسلسل من تكنولوجيا وأفكار تطويرية هي موجودة بالفعل ومستخدمة في عالمنا وهنا تكمن الخطورة.

حجم سوق كاميرات المراقبة

سوق تجارة كاميرات المراقبة التي تسمح بالمراقبة عن بعد، يعد الأكثر رواجًا وتوسعًا خلال السنوات الماضية، حتى يومنا، وما زالت هذه التجارة في توسع وازدياد طبقًا لإحصائيات سوق التكنولوجيا والتجارة العالمي.

والكاميرات الصينية هي الأكثر انتشارًا والأكثر سيطرة على أسواق العالم وخاصة الشرق الأوسط، حتى تصدرت الصين قائمة مستخدميها، لأكثر من مليار كاميرا مراقبة بأنحاء العالم.

الاتصال عبر كاميرات المراقبة عن بعد

ببساطة شديدة، عندما تريد الاتصال ومشاهدة كاميرات المراقبة الخاصة بك وأنت بعيد عنها وليكن من نوع هواوي الصينية، فإنك بدايةً تقوم بطلب عملية الاتصال (Request) بها عبر التطبيق الخاص بالشركة المصنعة للكاميرا.

ثم يبدأ التطبيق بالتواصل مع الخادم (Server) المقدم للخدمة والذي بدوره يقوم بالبحث والاتصال عن معرف الكاميرا المطلوب الاتصال بها (Client IP)، بعد أن يتم الاتصال يرد عليك  (Response) بالخدمة المطلوبة منه كعرض الصور والفيديو وغير ذلك من الإمكانيات البرمجية والتكنولوجية.

في السيناريو السابق وجدنا أن خادم الشركة (Server) المقدمة للخدمة هو وسيط بين المستخدم وبين الكاميرا، أي إنه في حالة توفر خدمة انترنت فإنه يستطيع التواصل مع الكاميرا في أي وقت والاطلاع على ما تسجله وتخزنه تلك الكاميرا، وهنا تكمن الخطورة وسبب كتابة هذا المقال.

خطورة على الأمن القومي

نجد فيما سبق أن الشركات المطورة للكاميرات تستطيع التجسس وتجميع الصور والفيديوهات لكل مستخدميها، بل وتصنيف وتحليل طبيعة وأماكن مستخدميها، وفوق كل ذلك تستطيع تقديم المعلومات المطلوبة منها لأي جهة تجارية أو مخابراتية أو عسكرية، خاصة أننا في عصر فيه المعلومة هي أكبر تجارة سائدة ومربحة في العالم.

ماذا لو كانت هذه الكاميرات تعمل في أماكن استراتيجية مثل الوحدات العسكرية والقطاعات المصرفية أو الحكومية وقطاعات الخدمات العامة والخاصة؟

إن الأمر تجاوز كل هذه السيطرة المعلوماتية، لدرجة أن هذه الشركات لو طلب منها تحليل حجم التداول النقدي داخل البنوك في دولة ما، لاستطاعت فهل ذلك! وذلك مع زيادة توسع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

كيف يؤثر ذلك في الأمن القومي؟

من خلال هذا الوصول المعلوماتي بكل هذه السهولة؛ من تجميع للمعلومات وتحليلها عن دولة مطلوب اختراقها، فكل الخصوصيات داخل قطاعاتها أصبحت منتهكة وكل إجراءات الحظر أصبحت في مهب الريح، ليصبح من الواجب تبديل اللوحات الارشادية من “ممنوع التصوير” إلي “امنعوا الكاميرات المستوردة”، بعدما باتت مؤسسات الدولة الاستراتيجية وحتى التجارية مراقبة وخاضعة للأسواق المُسيطرة.

الأمر يمكن إدراكه بكل سهولة، إذ هناك سلع تظهر وسط الإعلانات الالكترونية تلبي احتياجات لدي المستهلك لم يطلبها وكل ذلك بفضل هذا التجسس عبر كاميرات المراقبة!

الخطر متوقع أم واقع؟

يجب الانتباه أن التكنولوجيا لا تُصنع للحاجة التجارية في بدايتها، بل يصاحبها دائماً مفاهيم السيطرة الاستراتيجية والعسكرية، وهذا ما جعل لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية في عام 2022 تعلن عن فرض حظر على معدات الاتصالات والمراقبة بالفيديو الصينية ذلك بعد ما أثارته وكالات المخابرات الأمريكية بشأن التجسس من قبل بكين.

إذ تم تقييد المعدات التي تنتجها شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة “هواوي” و”زد تي إي” اللتان خضعتا للعقوبات الأميركية خلال رئاسة دونالد ترامب ـ وتم أيضا استهداف شركتي “هيكفيجن” و”داوا” اللتان تم تركيب كاميرات المراقبة الخاصة بهما في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى شركة صناعة معدات الراديو “هيتيرا”.

كذلك تم إصدار نفس القرار من المملكة المتحدة خاصة بعد انكشاف دور شركات هيكفيجن في مساعدة المخابرات الصينية في مراقبة واضطهاد شعب الايجور (تركستان الشرقية).

مفاهيم جديدة للسيطرة غير العسكرية؟

الولايات المتحدة، نفسها تحذر من السيطرة الجديدة وهي سيطرة شركات التكنولوجيا الخاصة والتي يصل اقتصادها لاقتصاد قد يفوق اقتصاد الدولة التي تتواجد بها، وحتى السيطرة العسكرية ستستولي عليها قريباً بعد انتشار الربووت وارتباطه بتطور الذكاء الاصطناعي.

لا يوجد في إدارة المخاطر شيء يسمي سلامة النية، فتكنولوجيا المعلومات تخضع لقواعد أمنية محددة ومعروفة، فإن لم تستفيد الشركات المطورة من هذه المعلومات فهناك من سيستهدف هذه المعلومات سواء بشراءها أو اختراقها، سواء كان ذلك يتم عبر جهات دولية رسمية وغير رسمية أو المنظمات الإرهابية التي تبحث عن هذه المعلومات وتعرف كيف تستفيد منها.

السوق المصرية جاهزة لايجاد البديل لهذه التكنولوجيا؟

دائماً ما ننوه على أن التكنولوجيا خاصة التي تمس الأمن القومي بصورة مباشرة، يجب أن تكون صناعة محلية كاملة، غير متصلة بأي مزود خدمة خارجي، وخاضعة لتكنولوجيا الأمن السيبراني، وهذا بالضبط ما ينطبق على تكنولوجيا وسوق تجارة كاميرات المراقبة.

تمكنت الهيئة العربية للتصنيع في مصر، من تصنيع أول كاميرا مراقبة بنسبة تصنيع مكون محلي 100% خلال الربع الأول من عام 2021 ، لكن يجب العمل على زيادة الانتشار وإيقاف استيراد الكاميرات المستوردة والعمل على استبدال الكاميرات الحالية أو تعديل برمجتها.

ومن الناحية التكنولوجية بالفعل نملك آلاف المطورين الذين يستطيعون العمل على هذه التكنولوجيا، خاصة في ظل وجود الكليات الهندسية التكنولوجية والبرمجية، لكن من الناحية التجارية، الأمر يحتاج إلي مساعدة وتوجه الدولة في هذا القطاع ، خاصة أن المسألة تمس الأمن القومي حقيقة.

أحمد بدر

استشاري وخبير تطوير النظم البرمجية والإدارية

badrmedia@dewsoft.net

ربما يعجبك أيضا