صعود القوى الوسطى والعالم مُتعدد الأقطاب.. فرص وتحديات

في عالم متعدد الأقطاب.. القوى الوسطى تكسب المزيد من الخيارات

آية سيد
صعود القوى الوسطى والعالم متعدد الأقطاب.. فرص وتحديات

دور القوى الوسطى المتوسع في العالم متعدد الأقطاب الناشئ يقدم تحديات وفرص للاعبين العالميين.


مع مطلع العام الجديد، مرّ المشهد الجيوسياسي بتحول هائل مع توسع مجموعة بريكس، لتضم مصر والإمارات والسعودية وإيران وإثيوبيا.

وهذا التطور جذب الانتباه إلى إعادة تشكيل النظام العالمي، وصعود تعددية الأقطاب، والدور المؤثر بوتيرة متزايدة للقوى الوسطى، وفق تحليل نشرته مجلة “ناشيونال إنترست”، أمس السبت 13 يناير 2024.

نفوذ القوى الوسطى

رغم قدراتها المحدودة مقارنة بالقوى العظمى، تستفيد القوى الوسطى استراتيجيًا من توزيع القوة العالمية لتأمين الفرص لنفسها، وفق الباحث بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، علي محمدوف.

وإدراكًا لأن القوى العظمى تعتمد عليها من أجل النفوذ العالمي، تنخرط القوى الوسطى في منافسات القوى، عبر التأرجح بين التعاون والمعارضة لتعزيز مصالحها الخاصة.

حصاد 2023| أهم الأحداث السياسية في الشرق الأوسط

قمة بريكس

وبوجه عام، المنافسة مرتفعة المخاطر بين القوى العظمى والتعاون المتقطع يقدمون أرضًا خصبة للقوى الوسطى لتأكيد نفوذها، وحسب محمدوف، هذا يدفع إلى إجراء فحص نقدي للديناميكيات الناشئة في العلاقات الدولية، وضرورة اتباع نهج دقيق في وجه العالم الذي يصبح متعدد الأقطاب بوتيرة متزايدة.

انحيازات القوى الوسطى                     

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، انقسم العالم إلى قطبين، ما أرغم القوى الوسطى على الانحياز إما للولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي، وكانت السياسة الخارجية المستقلة للقوى الوسطى شبه منعدمة.

وأشار محمدوف إلى أن الخيار الذي قدمه انهيار الاتحاد السوفيتي هو الانحياز إلى النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة أو اتباع مسار مستقل، إلا أن عدم اختيار القوة العظمى العالمية الوحيدة خاطر بالتخلي عن الضمانات الأمنية والمنافع الاقتصادية التي صاحبت الانحياز.

ونتيجة ذلك، انحازت الكثير من القوى الوسطى إلى النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، وشاركت بنشاط في المنظمات الدولية.

تراجع أحادية القطب

مع تراجع النفوذ العالمي النسبي للولايات المتحدة، انحسرت أحادية القطب تدريجيًا، وأسهمت عوامل مثل صعود القوة الاقتصادية للصين وقدرتها على جذب الحلفاء، والأزمة المالية العالمية في 2008، والتكاليف الباهظة لحربي العراق وأفغانستان، وتمكين القوى الوسطى، في هذه النقلة النوعية.

ووفق الباحث، هذا النفوذ المتراجع شكّل تحديات للولايات المتحدة وحلفائها في النهوض بالمصالح الجماعية في أنحاء العالم، ما خلق كادرًا من القوى الوسطى الأكثر ميلًا لاتخاذ خطوات جريئة.

ظهور أقطاب متعددة

بينما لا يزال العالم يُظهر بعض عناصر ثنائية القطب، في ظل احتفاظ الولايات المتحدة بمكانتها كقوة عظمى في بعض النواحي وصعود الصين، بدأ العالم يتخذ شكلًا مميزًا. ولفت محمدوف إلى أن أهمية وثقة القوى الوسطى الآخذة في التزايد تشير إلى تحول تجاه تعددية الأقطاب.

هذا لأن الكتلة الصاعدة بقيادة الصين توفر بدائل للقوى الوسطى، وتقلل اعتمادها على الولايات المتحدة. وفي عالم متعدد الأقطاب، تكسب القوى الوسطى المزيد من الخيارات، والاستقلال، وبالتالي المزيد من النفوذ، وهذا يُترجم إلى حزم متزايد، وابتعاد عن الطاعة العمياء لجانب واحد.

صعود القوى الوسطى والعالم متعدد الأقطاب.. فرص وتحديات

الرئيس الصيني، ورئيس الوزراء الهندي، والرئيس الروسي

أمثلة للقوى الوسطى

يُظهر عدد من القوى الوسطى القوية في مناطق مختلفة اهتمامًا متزايدًا بالهيمنة الإقليمية، وضرب محمدوف مثالًا بنشاط تركيا الأخير في الشرق الأوسط، وجنوب القوقاز، وآسيا الوسطى، وإفريقيا، ودورها النشط في أوكرانيا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وأشار كذلك إلى تطلعات البرازيل لأن تصبح صوتًا لأمريكا اللاتينية والجنوب العالمي، وطموحات الهند الإقليمية والعالمية الآخذة في التوسع، ومن الناحية النظرية، فإن التراجع النسبي للهيمنة أسهم في صعود القومية، والأزمات الإقليمية، وإضعاف المؤسسات، واتباع القوى الوسطى لسياسات خارجية أكثر استقلالًا.

ماذا تفعل الولايات المتحدة؟

يرى محمدوف أن التعامل مع النظام العالمي الناشئ يتطلب من الولايات المتحدة وحلفائها الاعتراف بالديناميكيات المتغيرة بطريقة واقعية، فالقوى الوسطى تكسب النفوذ باختيار شركائها، ما قد يمثل تحديات جديدة للولايات المتحدة، ومن المُرجح أيضًا أن تصبح هذه القوى أكثر حزمًا في مطالبها وطموحاتها.

وأشار إلى أن واشنطن تحتاج إلى استراتيجية أكثر دقة لتجاوز هذا المشهد المتغير، لأن العصر الذي تستطيع فيه الولايات المتحدة ضمان الامتثال والدعم دون عناء يتلاشى، وفق ما ظهر في أنماط التصويت في الأمم المتحدة.

اختيار الشركاء

بدلًا من الانتقائية في اختيار الشركاء الإقليميين، ينبغي أن يصبح التركيز على تحديد القوى الإقليمية النشطة المستعدة للتعاون في قضايا معينة. ونوّه الباحث إلى أن اعتبار كل طموحات الهيمنة الإقليمية تهديدًا يخاطر بإبعاد القوى الوسطى وقلب مناطق كاملة ضد الغرب.

ويكمن الحل في تعزيز الشراكات مع قوة وسطى طموحة واحدة على الأقل في كل منطقة مستعدة للتعاون.

واختتم محمدوف تحليله بأن دور القوى الوسطى المتوسع في العالم متعدد الأقطاب الناشئ يقدم تحديات وفرص للاعبين العالميين، ومع استمرار الديناميكيات في التغيّر، يصبح تكييف الاستراتيجيات للتعامل مع القوى الوسطى ضروريًا.

ربما يعجبك أيضا