مؤتمر الإفتاء القادم وأهميته في استشراف المستقبل

رؤية

كتب – محمد حبيب

لا شك أن عملية استشراف المستقبل هي إحدى المقومات الرئيسة في نجاح المجتمعات بنحو عام، والمؤسسات بنحو خاص، فاستشراف المستقبل وحسن الاستعداد لمواجهة مستجداته وأحداثه واتخاذ الأسباب اللازمة لمواكبة تطوراته دون الإخلال بمتطلبات الحاضر، شأن ذوي العقول السليمة والفطر المستقيمة، بل هو منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

إن الاستعداد للتحديات المستقبلية يتطلب استشراف المستقبل، ولذا ينبغي للعقل الإسلامي المعاصر التصالح مع المستقبل والانفتاح عليه استشرافًا وتخطيطًا وعملًا كي نحرر العقول من التعصب، والمستقبل هو كل ما سيقابله الإنسان بعد اللحظة التي هو فيها الآن، سواء أكان قريبًا أم بعيدًا، خيرًا أم شرًّا.

إن مناقشة التحديات المستقبلية ومنها تحديات الألفية الثالثة هو جهد علمي منظم يرمي إلى تحديد احتمالات وخيارات مختلفة مشروطة لمستقبل قضية أو عدد من القضايا، خلال مدة مستقبلية محددة، بأساليب متنوعة اعتمادًا على الدراسات المعنية بالحاضر والماضي.

ودور الدراسات المستقبلية ليس في إصدار نبوءات، وإنما هدفها هو تحديد الاتجاهات والوصول إلى مستقبل مرغوب فيه واقتراح استراتيجيات لتحويله إلى مستقبل ممكن، فالأمر يتعلق بتسليط الأضواء على الاختيارات بغية مساعدة صانعي القرارات للتوجه نحو الأهداف الطويلة المدى، مع اطلاعهم على التدابير الواجب اتخاذها في الحين قصد الوصول إليها.

إنَّ ما عليه حال المسلمين اليوم هو نتيجة تراكمات حالهم وأوضاعهم في الماضي، وما سوف تؤول إليه أحوالهم في المستقبل هو نتيجة ما هم عليه اليوم، فالدراسات المستقبلية تخرجنا من أسر التعصب للماضي بتبعاته إلى الفضاء المستقبلي الرحيب، وتجعل المفتي أكثر ارتباطًا بالواقع.

والدراسات المستقبلية تخفف من ثقل أعباء الحاضر، وتطلق العنان للخيال، ويفيد الفكر المستقبلي الداعية والمفتي والمجتهد في أمور متعددة أهمها تحصينهم وحمايتهم من بعض المواقف السلبية؛ فهناك مظهر سلبي عام ينتج من ضعف التكيف مع المستقبل، ويسبب التشاؤم والعزلة الاجتماعية وغيرهما من الأمراض النفسية يطلق عليه “صدمة المستقبل”، فالدراسات المستقبلية تحمي من الصدمة، بل تُحدث تغيرًا جيدًا في التفكير، وتذكِّر بقدرة الإنسان على الفعل والتغيير، وبخاصة لدى أصحاب التفكير السلبي إزاء المستقبل.

وكذلك فإن إهمال النظرة المستقبلية والدراسات المستقبلية يؤدي إلى عدم منع المشكلات قبل نشوئها، ما يؤدي إلى تفاقمها وصعوبة علاجها. وقد دعا فقهاء الأمة الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص كلِ في تخصصه وحقله، وقد اقترح بعضهم أن تنبري طائفة من ذوي الأهلية والاختصاص في كل مجتمع مسلم لدراسة الواقع القائم وتحليل بياناته واتخاذها أساسًا للتنبؤ بالاحتمالات المستقبلية.

والمتأمل في أسلوب “دلفاي” الذي استخدمته المدرسة الأمريكية، والذي شاع استخدامه في الدراسات المستقبلية -وخاصة في المجال التربوي- يجد أن هذا الأسلوب مقتبس من مبدأ الشورى في الإسلام، فهو لا يعدو أن يكون استشارة لأهل الاختصاص والخبرة في الأمور المستقبلية المتعلقة بتخصصهم. والواقع أن كثيرًا من الاجتهادات والفتاوى تمس المستقبل أكثر مما تمس الحاضر أو الماضي، لذا فإن الشورى هي أمثل الطرق لتحقيق الاقتراب من الصواب؛ فتحمي المستقبل من أخطاء الإفتاء والاجتهاد فتتحسن صناعة المستقبل الإسلامي.

ومما لا شك فيه فأي مؤتمر عالمي يناقش تحديات المستقبل أو بتعبير أدق تحديات الألفية الثالثة في مجال الفتوى أو غيرها فهو توجه موفق وناجح، فكل الدعوات والأمنيات بنجاح مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم المنبثقة عن مؤسسة دار الإفتاء المصرية وهو مؤتمرها العالمي السنوي القادم والمقرر عقده يومي 18 و19 أكتوبر القادم تحت عنوان “الفتوى وتحديات الألفية الثالثة”، وهو مؤتمر مهم ورائع في موضوعه.

 

ربما يعجبك أيضا