وصايا كيسنجر لوقف الصراع بين الولايات المتحدة والصين

آية سيد

في حوار مع "ذي إيكونوميست" البريطانية، يوضح كيسنجر كيفية منع تحول المنافسة بين الولايات المتحدة والصين إلى حرب مدمرة.


في 27 مايو 2023، سيتمم وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر عامه الـ100.

ولأن أحدًا لا يمتلك خبرة في الشؤون الدولية بقدر كيسنجر، أجرت معه مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية حوارًا امتد لأكثر من 8 ساعات، بشأن كيفية منع تحول المنافسة بين الولايات المتحدة والصين إلى حرب مدمرة.

منافسة متصاعدة

في الحوار، الذي أجراه نهاية إبريل الماضي، أعرب كيسنجر عن قلقه من المنافسة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين من أجل الهيمنة التكنولوجية والاقتصادية، بسبب غياب المبدأ الثابت الذي يمكنهما بناء النظام عليه، محذرًا من أنهما إذا لم تجدا واحدًا، قد تلجآن إلى استخدام القوة.

وقال إن كلا الجانبين “مقتنع بأن الآخر يمثل تهديدًا استراتيجيًّا، ونحن في المسار المؤدي إلى مواجهة بين القوى العظمى”. وأضاف: “نحن في الموقف الكلاسيكي السابق للحرب العالمية الأولى، فلا يملك أي جانب هامشًا كبيرًا للتنازل السياسي، ويمكن لأي خلل في التوازن أن يؤدي إلى عواقب كارثية”.

اقرأ أيضًا| كيسنجر: التوتر بين أمريكا والصين قد يصير «التحدي الأكبر للبشرية»

دراسة الخصم

أصبح كيسنجر مقتنعًا بأن الطريقة الوحيدة لمنع الصراع المدمر هي الدبلوماسية القوية، التي تحصنها القيم المشتركة. ومن وجهة نظره، يعتمد مصير البشرية على ما إذا كانت أمريكا والصين تستطيعان التوافق. ويعتقد الدبلوماسي المخضرم أن التقدم السريع للذكاء الاصطناعي، تحديدًا، يترك لهما من 5 إلى 10 سنوات لإيجاد طريقة.

وقال كيسنجر إن الكثير من المفكرين الصينيين يعتقدون أن أمريكا في مسار تراجعي، وأنهم “نتيجة لتطور تاريخي، سيحلون محلنا”. وحسب اعتقاد كيسنجر، تستاء القيادة الصينية من حديث صناع السياسة الغربيين عن النظام العالمي القائم على القواعد، عندما يقصدون قواعد أمريكا ونظامها.

ولفت الدبلوماسي الأمريكي، في حديثه مع المجلة، إلى أن البعض في الصين يرتاب في أن واشنطن ستعامل بكين كمكافئ لها، ويرى أن من الحماقة تخيل ذلك.

طموحات الصين

حذر كيسنجر من إساءة تفسير طموحات الصين، لأنها لا تطمح إلى الهيمنة العالمية كما تظن واشنطن، وإنما تريد أن تصبح قوية. ويرى كيسنجر أن النظام الصيني كونفوشيوسي وليس ماركسيًّا، ما يجعل القادة الصينيين يسعون لبلوغ أكبر قدر ممكن من القوة لبلادهم ونيل الاحترام عن إنجازاتهم، وفق تصريحاته إلى المجلة البريطانية.

ورأى الدبلوماسي الأمريكي أنه يمكن للولايات المتحدة منع الصين من الهيمنة وفرض ثقافتها، عبر مزيج من الدبلوماسية والقوة. لكنه حذر من أن انهيار النظام الشيوعي سيؤدي إلى حرب أهلية، قد تتحول إلى صراع أيديولوجي ينضاف إلى الاضطراب العالمي. وقال: “ليس من مصلحتنا دفع الصين نحو التفكك”.

أزمة تايوان

في حديثه مع “ذي إيكونوميست”، أشار كيسنجر إلى أن الاختبار المُلح الآن هو كيفية تصرف الصين وأمريكا في ما يتعلق بتايوان. وتذكر الدبلوماسي المخضرم أنه في أثناء أول زيارات ريتشارد نيكسون للصين في 1972، وصف الزعيم الصيني ماو تسي تونج، التايوانيين بأنهم “مجموعة من المعادين للثورة”.

وقال ماو: “لا نحتاج إليهم الآن. يمكننا أن ننتظر 100 عام”. إلا أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ألغى هذا التفاهم بعد 50 عامًا فقط، رغبة منه في تعزيز صورته القوية عبر انتزاع تنازلات من الصين في التجارة، واتبعت إدارة خلفه جو بايدن السياسة نفسها، لكن بخطاب ليبرالي، وفق كيسنجر.

ولفت كيسنجر إلى أنه لم يكن ليسلك هذا المسار في ما يتعلق بتايوان، لأن حربًا على غرار أوكرانيا ستدمر الجزيرة والاقتصاد العالمي، وستؤدي إلى انتكاسة داخلية في الصين. ورأى أن الخروج من هذا المأزق يجب أن يبدأ بخفض حدة التوتر، ثم بناء الثقة تدريجيًّا.

حرب أوكرانيا

وصف كيسنجر الحرب الروسية الأوكرانية بأنها “خطأ كارثي” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكنه حمّل الغرب جزءًا من المسؤولية، وقال: “أعتقد أن قرار ترك باب العضوية في (حلف شمال الأطلسي) الناتو مفتوحًا أمام أوكرانيا كان خاطئًا بشدة”. وأوضح لـ”ذي إيكونوميست” أن المهمة الآن هي إنهاء الحرب، دون تمهيد الساحة لجولة تالية من الصراع.

ولتحقيق ذلك، رأى الدبلوماسي الأمريكي أن تتخلى روسيا عن أكبر قدر ممكن من الأراضي الأوكرانية التي ضمتها في 2014. لكن الحقيقة هي أن روسيا ستحتفظ بسيفاستوبول على الأقل في أي وقف لإطلاق النار، وهذه التسوية لن تُرضي روسيا ولا أوكرانيا، حسب كيسنجر.

اقرأ أيضًا| هنري كيسنجر: بوتين يبحث عن الاعتراف ولم أقُل لأوكرانيا تنازلوا

نهج خطير

يرى كيسنجر أن النهج الذي يتبعه الأوروبيون، المتمثل في رفض ضم أوكرانيا للناتو، وتسليحها بأسلحة متطورة، خطير للغاية. وقال: “لقد سلحنا أوكرانيا للدرجة التي جعلتها الدولة الأفضل تسليحًا وذات القيادة الأقل خبرة استراتيجيًّا في أوروبا”.

وفي حواره مع المجلة البريطانية، اقترح كيسنجر خطوتين لإقامة سلام دائم في أوروبا، الأولى هي ضم أوكرانيا إلى الناتو، كوسيلة لتقييدها وحمايتها في الوقت نفسه، والثانية أن تصوغ أوروبا تقاربًا مع روسيا، كطريقة لإقامة حدود شرقية مستقرة.

ويعتقد كيسنجر أن الصين ترغب في الوساطة بين أوكرانيا وروسيا من أجل مصلحتها القومية، إلا أنه يشك في أن الصين وروسيا يمكنهما العمل معًا، لأن لدى كلتيهما انعدام ثقة غريزيًّا بالأخرى.

اقرأ أيضًا| كيسنجر: التوتر بين الصين وأمريكا مدمر.. وموقف بكين من أوكرانيا خاطئ

الذكاء الاصطناعي

أشار الدبلوماسي الأمريكي إلى أن المجال الثاني الذي على واشنطن وبكين الحديث بشأنه، هو الذكاء الاصطناعي. وقال: “نحن نشهد بداية قدرة… تستطيع الآلات التسبب في أوبئة أو جوائح عالمية، وليس فقط دمارًا نوويًّا”. ويعتقد كذلك أن الذكاء الاصطناعي سيصبح عاملًا أساسيًّا في الأمن في غضون 5 سنوات.

وفي حديثه مع “ذي إيكونوميست”، لفت كيسنجر إلى أنه لا يمكن إلغاء الذكاء الاصطناعي، ولذلك ستحتاج الصين وأمريكا إلى تسخير قوته عسكريًّا ليصبح رادعًا. وأضاف أن بوسعهما أيضًا الحد من التهديد الذي يمثله عبر المحادثات، قائلًا: “أعتقد أننا يجب أن نبدأ التواصل بشأن تأثير التكنولوجيا”.

ربما يعجبك أيضا