خلال الأزمات المتشابهة.. لماذا تختلف ردود الفعل العالمية؟

جدعون راشمان: قدرة العالم على تجاهل القتل الجماعي والمعاناة صارخة

آية سيد
الهوية وازدواجية المعايير.. لماذا تختلف ردود الفعل العالمية تجاه الأزمات المتشابهة؟

تحظى صراعات أوكرانيا، وغزة وإسرائيل باهتمام أكبر بكثير من الحروب والكوارث الإنسانية في مناطق العالم الأخرى.


أثار رد الفعل الأمريكي تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة انتقادات واسعة واتهامات بازدواجية المعايير بسبب تناقضه مع رد الفعل تجاه الحرب في أوكرانيا.

وفي مقال بصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، الاثنين 25 مارس 2024، عزا الكاتب البريطاني، جدعون راشمان، تباين ردود الفعل العالمية تجاه الصراعات والأزمات الإنسانية، التي يحظى بعضها باهتمام بالغ في حين يمر البعض الآخر مرور الكرام، إلى ما وصفه بـ”جيوسياسة الهوية”.

خطر المجاعة

رأى راشمان أن صراعات أوكرانيا، وغزة وإسرائيل تحظى باهتمام أكبر بكثير من الحروب والكوارث الإنسانية في مناطق العالم الأخرى، وبينما يتصدر تهديد المجاعة في غزة العناوين الرئيسة العالمية يوميًا، حذرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن السودان سيواجه قريبًا “أسوأ أزمة جوع في العالم”.

الجوع في السودان

تحذيرات من انتشار الجوع في السودان

ويواجه 18 مليون شخص انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، وسلط التحذير الضوء على الصراع الدائر الذي ينطوي على “مقابر جماعية، واغتصاب جماعي، والهجمات العشوائية الصادمة في المناطق كثيفة السكان، وأكثر من 6.5 ملايين نازح.

إلا أن العالم تجاهل بدرجة كبيرة الصراع السوداني، وتحذير الأمم المتحدة، وحتى الآن، لم تجمع المناشدة التي أطلقتها الأمم المتحدة الشهر الماضي لجمع 2.7 مليار دولار للمساعدات الإنسانية، سوى 131 مليون دولار فقط.

الدبلوماسية الدولية

أصبحت الجهود الرامية إلى إطلاق سراح الأسرى المحتجزين في غزة حجر زاوية للدبلوماسية الدولية، للدرجة التي دفعت مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، ويليام بيرنز، للتدخل بطريقة مباشرة.

لكن على النقيض، لم يحظى اختطاف 287 طفلًا في نيجيريا، الذين جرى إطلاق سراح الكثيرين منهم مطلع الأسبوع، بقدر كبير من الاهتمام الدولي، بحسب راشمان.

خسارة الأرواح

أشار الكاتب البريطاني إلى أن قدرة العالم على تجاهل القتل الجماعي والمعاناة، خاصة في إفريقيا، صارخة وليست بالشيء الجديد.

فالحرب بين إثيوبيا والجبهة الشعبية لتحرير التيجراي، التي بدأت في نوفمبر 2020، حصدت أرواح ما يقرب من 600 ألف شخص، بحسب الرئيس النيجيري السابق، أولوسيجون أوباسانجو، الذي ساعد في التفاوض على معاهدة سلام، وكان أكثر من نصف الضحايا مدنيين، الكثير منهم مات من الجوع.

ورغم أن شعار “حياة السود مهمة” الذي بدأ في الولايات المتحدة كانت أصداءه تتردد حول العالم في 2020، لم يبدو أن العالم يكترث لخسارة مئات الآلاف من أصحاب البشرة السمراء في حرب إثيوبيا وتيجراي.

ما سبب التناقض؟

من المرجح أن يثير الصراع قلقًا وغضبًا دوليين إذا كان عدد كبير من الأشخاص يتعاطفون مع من يقاتل أو يعاني. فالأوروبيون ينظرون إلى الأوكرانيين الهاربين ويتخيلون تعرض مدنهم للقصف. والكثير من المسلمين واليهود يتعاطفون مع طرفي الصراع في غزة.

إنفوجراف| إسرائيل تستهدف النساء والأطفال في غزة

إنفوجراف| إسرائيل تستهدف النساء والأطفال في غزة

ووصف راشمان هذا بـ”جيوسياسة الهوية”، مرجحًا أنه إذا انطوت حرب إثيوبيا والتيجراي على أشخاص من أصحاب البشرة البيضاء يقتلون أشخاصًا من أصحاب البشرة السمراء، أو العكس، كانت ستُسبب غضبًا دوليًا. لكن من دون عنصر العداء العرقي أو الجماعي، من المستبعد أن يتعاطف الغرباء مع طرف أو الآخر.

التغطية الإعلامية

تمتلك القصص الفردية عن المعاناة تأثيرًا نفسيًا وسياسيًا قويًا، وفي حين أن مشاهدة الأفلام وقراءة الصحف التي تروي قصصًا عن المعاناة الفردية قد تكون مؤلمة، فإن أسماء ومصير أطفال التيجراي أو السودان الذين قُتلوا أو ماتوا من الجوع لن تحصل على الاهتمام نفسه، ولذلك لن تثير نفس القدر من الغضب العالمي.

وحسب الكاتب البريطاني، توجد عملية دائرية وراء نقص الاهتمام الممنوح للمآسي في مناطق مثل التيجراي أو السودان. هذا لأن المؤسسات الإخبارية الدولية تلاحظ أن هذه القصص لا تجذب جمهورها، كما أن تغطيتها مكلفة وخطيرة. لذلك لا توثق الأحداث بالتفاصيل التي قد تثير القلق الدولي.

واختتم راشمان مقاله بوصف السياسة الدولية بعبارة ستالين الشهيرة “موت شخص واحد مأساة، لكن موت ملايين الأشخاص مجرد إحصائية”.

ربما يعجبك أيضا