حصاد 2022| محادثات إيران النووية لم تبرح النفق المظلم

يوسف بنده

لم تبرح محادثات العودة للاتفاق النووي النفق المظلم، لكن ما زالت كل من واشنطن وطهران تصر على إمكانية إحياء هذا الاتفاق.


لم يسد التفاؤل بشأن إحياء الاتفاق النووي منذ وصول الرئيس الإيراني المحافظ، إبراهيم رئيسي، إلى السلطة.

وأعادت ولاية رئيسي الذاكرة إلى فترة حكم سابقه، أحمدي نجاد، فالرهان على المماطلة لكسب الوقت، وجلسات التفاوض النووية لا تسفر عن أي نتائج، سوى صعود إيران نحو العتبة النووية.

الدخول إلى النفق

خلال الجولة الثامنة من مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا، نهاية العام 2021، طالبت إيران بـ3 ضمانات، أصبحت 3 تحديات للتوصل إلى اتفاق، فطالبت بضمان عدم انسحاب واشنطن من الاتفاق مستقبلًا، إلى جانب عدم مغادرة الشركات الأجنبية إيران، وأخيرًا عدم فرض عقوبات جديدة.

ومع بداية العام 2022، جرى استئناف محادثات الجولة الثامنة في إطار مجموعة التفاوض (5+1) النووية. وكذلك وسط تبادل للرسائل بين واشنطن وطهران على نحو غير مباشر، وكان للصين وروسيا دورًا في إعادة إيران لاستئناف هذه المحادثات.

الرئيس الأمريكي جو بايدن والاتفاق النووي الإيراني

إيران تحصل على أصولها المجمدة

حصلت إيران على جزء من أصولها المجمدة في الخارج نتاج المحادثات النووية، في إطار سياسة تبادل الثقة للنجاح في الوصول إلى اتفاق نهائي، بعد أن جمدت الولايات المتحدة مليارات من الأصول الإيرانية في أعقاب فرض العقوبات في السنوات الأخيرة.

وسعت حكومة طهران للتوصل إلى اتفاق يمثل انتصارًا للنظام الإيراني، يتحقق من خلاله رفع العقوبات كاملة والحصول على مكاسب إضافية، وتكشف تصريحات لوزير الخارجية، حسين عبداللهيان، أن إيران لا تسعى للعودة لاتفاق 2015 وحسب، بل تريد الحصول على مكاسب إضافية، ولن تتجاوز خطوطها الحمراء.

1645884746 fgwcxiaxiaei95w

ظل الأزمة الأوكرانية

حط ظل أزمة الحرب الروسية الأوكرانية على المحادثات النووية، وسعت واشنطن لوضع مهلة زمنية للتوصل إلى اتفاق بنهاية فبراير 2022، لكن طهران رفضت هذه المهلة، فضلًا عن أن الروس لم يسمحوا بالتوقيع على الاتفاق النووي النهائي، قبل الانتهاء من أزمة أوكرانيا.

وجرى تعليق المحادثات النووية مع إيران في العاصمة النمساوية فيينا، بعدما طالبت روسيا، 5 مارس الماضي، بتقديم ضمانات بعدم تأثر الاتفاق الجديد بالعقوبات الأمريكية عليها، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ما جعل الاتفاق رهينة لدى روسيا.

وساطة قطرية

خلال الأزمتين الإيرانية والأوكرانية، برز الحديث عن وساطة قطرية لنقل الرسائل بين واشنطن وموسكو وطهران، وذلك لإقناع روسيا برفع قبضتها عن الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، وأجرى وزير الخارجية القطري، 12 مارس الماضي، اتصالًا هاتفيًّا مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، تناول مستقبل المحادثات النووية.

qatar

وسافر عبداللهيان إلى موسكو، في اليوم التالي 13 مارس، لإجراء مشاورات بشأن المحادثات النووية، مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف، ما عزز فرضية أن قطر تنقل رسائل بين واشنطن وموسكو وطهران، لتسوية الأزمة النووية والأوكرانية.

وفي 27 يونيو 2022، أعلن المستشار الإعلامي للوفد الإيراني المفاوض، محمد مرندي، أن قطر ستستضيف محادثات غير مباشرة بين بلاده والولايات المتحدة، تمهيدًا لاستئناف المفاوضات العودة للاتفاق النووي.

جولة جديدة

أعلنت الخارجية الإيرانية، 3 أغسطس 2022، أن فريق التفاوض الإيراني توجه إلى فيينا، لاستئناف مفاوضات العودة للاتفاق النووي. وأوضح المتحدث باسم الخارجية، ناصر كنعاني، أن هذه الجولة من المباحثات التي ستجري على غرار سابقاتها بتنسيق الاتحاد الأوروبي، ستضمن اقتراحات الأطراف كافة.

وبعد أيام من التفاوض في فيينا، انتهت المحادثات النووية، 8 أغسطس، وتسلم الوفد الإيراني النص النهائي للاتفاق، ولا مجال للتفاوض بشأنه، لكنه يحتمل القبول أو الرفض. وقالت الخارجية الأمريكية إن “النص الذي طرحه الاتحاد الأوروبي هو الأساس الوحيد، لإحياء الاتفاق النووي مع إيران”.

مباحثات إيران والقوى الكبرى في فيينا

مقترحات أوروبية

كان النص عبارة عن مقترحات أوروبية نهائية غير قابلة للتعديل، وراجعت طهران هذه المقترحات على مهل، دون الاعتبار للتحذيرات أو للبعد الزمني، وقدم الأوروبيون ما وُصف بأنه “تنازل مهم” يهدف إلى أن تنهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقاتها بشأن المواقع الإيرانية المشبوهة.

لكن طهران أرسلت ردها على المقترحات الأوروبية، 15 أغسطس 2022، سعت من خلاله رمي الكرة في ملعب واشنطن، من خلال إضفاء بعض التعديلات على المقترح الأوروبي، بما يلبي بعضًا من مطالبها للعودة للاتفاق النووي. وقال المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون إنهم يدرسون الرد الإيراني.

في نفق مظلم

دخلت محادثات الاتفاق النووي في نفق مظلم من جديد، فعادت واشنطن لفرض العقوبات على طهران، وعادت إيران للمماطلة من أجل الحصول على مكاسب أكبر، وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، 9 سبتمبر 2022، إن الرد الأخير لإيران بشأن المفاوضات النووية أعادها خطوة إلى الوراء.

وأعلنت إيران أنها لا تزال تصر على شروطها للعودة للاتفاق النووي، وتطالب بالرفع الكامل للعقوبات. ورد وزير الخارجية الأمريكي: “نجحنا بالفعل في الأسابيع الأخيرة في سد عدد من الفجوات، لكن رد طهران الأخير يعيدنا إلى الوراء”.

إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية

وتصرّ إيران على مسألة الرفع الكامل للعقوبات، وإغلاق ملف المواقع النووية المشبوهة، في حين تقول واشنطن إن إحياء الاتفاق ينبغي أن يكون مشروطًا بالتحقيق الذي تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن التزامات إيران وفق معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

عودة الوساطة

دخلت سلطنة عمان على خط الوساطة النووية، وأعرب وزير خارجية إيران، حسين عبداللهيان، خلال اتصال مع نظيره العماني، بدر البوسعيدي، 14 سبتمبر، عن رغبة طهران في الحوار سعيًا للتوصل إلى اتفاق، وشدد على التزام بلاده بالمفاوضات.

وشدد وزير الخارجية العماني على أهمية التوصل إلى اتفاق، وعودة الجميع إلى تعهداتهم، داعيًا إلى بذل الجهود للتوصل إلى نتيجة إيجابية بعد شهور من المفاوضات. قدم وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، وكذلك المبعوث الأمريكي لشؤون إيران، روبرت مالي، شكره لوزير خارجية عمان لجهود السلطنة في هذه الوساطة.

Untitled 123

العودة إلى خطة العمل المشترك

على غرار الدور العماني في الوساطة، بحثت قطر وإيران، مطلع أكتوبر الماضي، تطورات مفاوضات العودة إلى خطة العمل المشترك بين طهران وواشنطن، وذلك خلال محادثة هاتفية بين وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان.

وشدد الوزير القطري على أن بلاده تتطلع إلى توصل إيران والولايات المتحدة إلى توافق يساهم في إحياء الاتفاق النووي، والوصول إلى اتفاق عادل للجميع، مع أخذ مخاوف جميع الأطراف، ليصب الاتفاق في مصلحة أمن واستقرار المنطقة.

اتصالات مستمرة

تصر إيران على مطالبها من الاتفاق النووي، وسط جمود للمحادثات، وتشديد للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، لكن يوجد مؤشرات تكشف عن استمرار عملية التواصل على نحو غير معلن بين واشنطن وطهران، منها الإفراج عن السجناء الأمريكيين لدى إيران.

والإفراج عن جزء من أموال إيران المجمدة في الخارج. بل حتى تشديد العقوبات على طهران من جانب واشنطن، كان في إطار سياسة العصا والجزرة، لدفع إيران لاستئناف المحادثات النووية من دون فرض المزيد من المطالب، التي تعرقل عملية نجاح التوصل لاتفاق نهائي.

27746d61 bfbf 4115 830a 455e3a4f59b8 690

حلحلة الملف

ركزت أمريكا على معاقبة إيران منذ توقف المحادثات النووية، في خضم الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك اندلاع حركة احتجاج واسعة في إيران. فصرح المبعوث الأمريكي، روبرت مالي، الأحد 4 ديسمبر 2022، بأن واشنطن ستركز على قطع إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى روسيا، ودعم الاحتجاجات في إيران، عوضًا عن إحياء الاتفاق النووي.

وأعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل جروسي، 10 نوفمبر الماضي، على هامش قمة المناخ في مصر، وجود خطة لزيارة مسؤولين من الوكالة طهران قبل نهاية نوفمبر الماضي، وذلك للاجتماع مع الخبراء الإيرانيين، والحصول على إجابة منهم بخصوص المواقع النووية المشبوهة.

00d47504 1d28 4056 afd0 7a679589b187 16x9 1200x676

وفد من الوكالة الدولية الذرية

وصل طهران وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأحد 18 ديسمبر 2022، وذلك بعد قرار مجلس حكام الوكالة، الذي طالب طهران، 17 نوفمبر الماضي، بالتعاون مع الوكالة الدولية بقدر أكثر إيجابية، وذلك بعدما رفعت إيران من حجم إنتاجها لليورانيوم ومستوى تخصيبه بما يهدد بالوصول إلى العتبة النووية.

وتشير زيارة الفريق النووي إلى أن إيران تواجه غضبًا غربيًَا بسبب دعمها لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. وأيضًا في ظل مخاوفها من عودة ملفها إلى مجلس الأمن بما يهدد بعودة فرض العقوبات الدولية. تسعى للعودة إلى طاولة المحادثات لتخفيف وطأة الضغط عليها في ظل استمرار العقوبات واشتعال الاحتجاجات في الداخل.

ملفات عالقة

يرتبط ملف الحوار الإيراني السعودي بنتائج الملف النووي، فقد أجرت إيران والسعودية 5 جولات من الحوار في بغداد، بدءًا من العام 2021. وترفض طهران ارتباط هذه المحادثات بنظيرتها النووية، رغم أن واقع الأمر تدرك الجمهورية الإسلامية أن الهدف من الاتفاق النووي هو إعادة الهدوء إلى منطقة الشرق الأوسط.

530160

واشترطت واشنطن معالجة ملف الأنشطة الإيرانية المزعزعة بالمنطقة، قبل إتمام العودة للاتفاق النووي، خاصة أن حلفاء واشنطن في الخليج يضغطون على إدارة بايدن، لعدم العودة للاتفاق النووي قبل معالجة الملفات العالقة مع طهران أولًا، ومنها التهديدات الإيرانية عبر برنامجها الصاروخي ودعم المليشيات في المنطقة.

وتصر السعودية على موقفها الصارم تجاه إيران من أجل وضع استراتيجية أمنية، تضمن توقف التهديدات الإيرانية لأمن المنطقة. في حين ما زالت تصريحات المسؤولين الإيرانيين تخرج متوعدة باستهداف أمن دول المنطقة والمملكة.

ربما يعجبك أيضا